أحدث إعصار كاترينا زلزالا مدمرا لبعض الولايات الجنوبية الأميركية وخليج المكسيك وخصوصا ولايتي لويزيانا والمسيسبي، وتضررت الكثير من المدن وخصوصا مدينة نيو أورلينز وغيرها من مدن وقرى الولايتين. وتعد هذه أسوأ كارثة طبيعية تحل بالمجتمع الأميركي في التاريخ المعاصر. فقد دمرت الكثير من المباني والمزارع وتضررت البنية التحتية وخصوصا الاقتصادية للمنطقة المنكوبة إذ بلغ إجمالي الخسارة زهاء 125 مليار دولار، وقتل الكثير من السكان، ما يجعل المرء ينظر إلى هذه الكارثة بعين الإنسانية الحقيقية السمحاء بعيدا عن التلاعب بالحقائق وقلب الأمور. ومن المدهش حقا أن يرفع البعض عقيرته وخصوصا المتشددين بقولهم إن ما أصاب الولايات المتحدة الأميركية من كارثة إعصار كاترينا هو نتيجة غضب الله عز وجل على السياسة الأميركية تجاه المسلمين والعرب. وهم بهذا أرادوا القول إن الله عز وجل أراد أن ينتقم من البيت الأبيض بقتل المئات من البشر الأبرياء في ولايتي لويزيانا والمسيسبي. كما أن الانتقام الإلهي المزعوم جاء ليدمر المباني والمساكن فوق رؤوس قاطنيها. إن الله جلت قدرته منزه عن تلك الأقاويل السوداء المغرضة، وحاشاه أن يضر عباده. إن هذه الكارثة تعيد إلى الأذهان العقلية المتخلفة المريضة المليئة بالحقد على الإنسانية جمعاء. فعندما حدث طوفان تسونامي وقتل فيه زهاء مئتي ألف من سكان البلدان الآسيوية الإسلامية والمسيحية، ظهر علينا البعض ممن يتشدقون بالدين قائلين إن ذلك عقاب من الله للمفسدين في الأرض، وهذا يجعلنا نسأل ماذا جنى الأطفال الأبرياء لكي يقتلوا؟ وماذا جنى المؤمنون من أصحاب الأديان المختلفة لتزهق أرواحهم في ذلك الطوفان؟ إنه كلام المغرضين الحاقدين على البشر. إن على العقلاء، وأقصد بذلك كل من يحمل في رأسه عقلا، ألا يصدق مثل تلك الأقاويل المغرضة التي تصدر من بعض المتشددين الذين يفسرون الكوارث الطبيعية وفق هواهم والأغراض التي يسعون إلى تحقيقها، وفي هذا لا يختلف المتشدد الإسلامي عن المتشدد اليهودي. فقد نقلت صحيفة "يديعوت احرونوت" في عددها الصادر يوم الأربعاء السابع من أغسطس/ آب عن الحاخام عوفاديا يوسف قوله: "إن الكارثة التي سببها إعصار كاترينا في الولايات المتحدة الأميركية عقاب أنزله الله على الرئيس جورج بوش لدعمه الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة". وقد علل الحاخام كارثة كاترينا والتسونامي وأية كوارث طبيعية مدمرة "بسبب إهمال تدريس التوراة بين البشر"! وهنا من نصدق من هؤلاء المتشددين من المسلمين واليهود، وحتى المسيحيين الذين يفسرون الكوارث الطبيعية وفق أفكارهم، محاولين إقحام الديانات السماوية في دعم نظرتهم تجاه أمور لا يفقهون حساباتها. إن على المسلمين واليهود والمسيحيين أن يثقوا بعدالة الباري عز وجل الذي خلق الإنسان ليعمر هذا الكون. أما الجزاء، وأعني بذلك الثواب والعقاب، فالكل يحاسب على أعماله في الآخرة. يبقى أن نقول؛ إن رد الجميل إلى الولايات المتحدة الأميركية والوقوف معها في محنتها هذه بسبب كارثة إعصار كاترينا من بين أهم القيم التي يجب على أبناء البشرية التحلي بها. والمتتبع لتاريخ الولايات المتحدة الأميركية يرى الدور الفاعل الذي لعبته ولاتزال تلعبه في تقديم يد العون والمساعدة المالية والتقنية إلى جميع شعوب المعمورة في حال تضررها من الكوارث الطبيعية بغض النظر عن دياناتهم وأصولهم، منحية الخلافات السياسية جانبا. وقد عرضت مساعدتها المادية والتقنية عندما أصاب زلزال مدمر مدينة بم الإيرانية على رغم الخلاف السياسي بينهما. كما أن إيران عرضت تقديم مساعدة للولايات المتحدة. وهكذا يجب أن يكون التعامل بين بني البشر من دون النظر إلى الخلافات السياسية التي هي ظرفية تزول بزوال مسبباتها على مرور الأيام، أما ارتباط البشر بعضهم ببعض فهو فوق كل الاعتبارات، وسيبقى كذلك عندما يتغلب العقل على العاطفة. لقد أثبتت دول الخليج ريادة رمي موقفها الإنساني النبيل من كارثة كاترينا، وأن ما أعلن من دعم من قبل دول مجلس التعاون الخليجي يصب في خانة النظرة المتعلقة بمساعدة إخواننا من البشر من الجنسيات الأخرى. إن الولايات المتحدة الأميركية التي تلقت عروض مساعدة من أكثر من مئة دولة، قد لا تكون بحاجة إلى ما يقدم إليها من ملايين الدولارات. فهي دولة عظمى ذات اقتصاد ضخم وقوي... إلا أن تقديم المساعدات إزاء هذه الكارثة يعني التعاطف والتضامن مع المجتمع الأميركي الذي لم يبخل في يوم من الأيام بتضامنه ومساعدته المجتمعات التي تتعرض لمثل تلك الكوارث الطبيعية المؤلمة
إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"العدد 1102 - الأحد 11 سبتمبر 2005م الموافق 07 شعبان 1426هـ