توقعت مصادر اقتصادية في الخزانة الأميركية أن يتراجع نمو اقتصادات الولايات مجتمعة قرابة نصف في المئة في العام 2005 - . 2006 نصف في المئة لا قيمة لها في مجتمعات رعوية غير منتجة، وكذلك لا معنى لهذه النسبة الضئيلة في دولة لا تكترث كثيرا بالنمو والتقدم. فالنصف في المئة في دول فاشلة لا تؤخر أو تؤثر على مختلف المستويات المحلية والإقليمية والدولية. أما في دولة متقدمة وكبرى كالولايات المتحدة، التي تعتبر حتى الآن الأولى في العالم، فإن النصف في المئة لها قيمة كبيرة وتعني الشيء الكثير في اقتصاد هائل الحجم ويشكل قرابة 20 في المئة من دورة الإنتاج العالمية. فالنصف في المئة في العالم الثالث مثلا تختلف في قيمتها ووزنها ومردودها عن النصف في الولايات المتحدة. الاقتصاد الأميركي حتى الآن هو في الطليعة ويرجح أن يحافظ على موقعه الأول في العالم إلى العام ،2024 وبعدها يبدأ بالتراجع لمصلحة اقتصادات كبرى ومنافسة كالصين مثلا أو الاتحاد الأوروبي إذا نجح في الاحتفاظ باتحاده. وبسبب موقع الاقتصاد الأميركي وقوته الكبرى في المقاييس الدولية فهو يتمتع بقدرات خاصة على تجاوز الأزمات واحتواء الكوارث... إلا انه لا يستطيع أن ينكر تلك السلبيات التي تعطل درجات النمو وتحد أحيانا من اندفاعه. فالكارثة التي وقعت في الولايات الجنوبية الثلاث وأغرقت 80 في المئة من مدينة تعتبر من المنافذ التجارية النهرية/ البحرية المهمة في أميركا يصعب تجاهل سلبياتها على مجموع النمو العام للولايات الأخرى. فأميركا هي في النهاية اتحاد اقتصادات 50 دولة/ ولاية، وهذا الاتحاد أعطاها تقليديا تلك المرونة في اكتساب القدرة على تجاوز الأزمات، ووفر لها كذلك حيوية مستفيدة من تنوع ثروات الولايات وتعدد مناخاتها ومواقعها الجغرافية. هذه الإيجابية خدمت الدولة المركزية "الاتحادية" وأعطتها فرصة للتقدم والانتعاش الداخلي من دون حاجة إلى الأسواق الخارجية. واستمر حال الولايات المتحدة على حاله إلى نهاية الحرب العالمية الثانية حين أخذت السوق الداخلية تعتمد رويدا على السوق الدولية، وبدأت نسبة الاتكال ترتفع درجة بعد درجة إلى أن أصبح الاقتصاد الأميركي لا يستطيع أن يستغني عن دول العالم. وهذا الأمر يوضح الكثير من التباسات السياسة الأميركية الخارجية واضطرارها إلى فتح سلسلة من الحروب لضمان توازنها الداخلي. ما حصل في لويزيانا ليس بسيطا، إلا أن الكارثة لا تعني بداية نهاية أميركا كما ذهب البعض في قراءات متسرعة لتلك الفاجعة/ الفضيحة. فبين البداية والنهاية هناك مسافة زمنية ودرجات من التراجع لابد من المرور بها حتى يمكن القفز إلى مثل هذه الاستنتاجات السياسية. هناك مشكلة حقيقية. وهذه المشكلة قد تظهر في السياسة قبل الاقتصاد. إلا أن تدني نمو الاقتصاد ربما يساعد في تسريع ظهور ذاك التشقق المتوقع في بنية العلاقات الأهلية في الولايات المتحدة. فأميركا "قلعة" سياسية، وهي مبنية على اقتصاد هائل الحجم. ولأن اقتصاد القلعة ضخم في فروعه وتكويناته وشبكاته تصعب ملاحظة ذاك التشقق المتوقع في حال استمرت الدولة في مسار الحروب والتوسع الخارجي على حساب التوحد الداخلي ووحدة السوق. السوق الأميركية ضخمة الحجم وتشكل درجات مرتفعة على المستويين: الإنتاج والاستهلاك. وهي أيضا هزيلة سكانيا قياسا بالتعداد السكاني للكرة الأرضية. فأميركا التي تشكل 5 في المئة من سكان العالم تنتج قرابة 20 في المئة وتستهلك قرابة 20 في المئة. وهذا يعني أن نسبة النصف في المئة تساوي نقدا عشرات، بل مئات المليارات من الدولارات سنويا. الاقتصاد الأميركي الآن تتراوح دورته السنوية بين 9 و10 تريليونات "عشرة آلاف مليار دولار". أي ان الدورة الشهرية للاقتصاد تزيد على 800 مليار دولار. وأيضا تعادل الدورة اليومية للاقتصاد ما قيمته 20 مليار دولار. فأميركا تنتج وتستهلك وتستثمر وتستورد في اليوم ما يوازي الاقتصاد المصري في نصف سنة. وبلغة الأرقام تشكل قيمة ما خسرته أميركا في الولايات الثلاث بعد حصول الإعصار ما يعادل خمسة أيام من اقتصادها. هذا على مستوى الخسائر المباشرة، أما تلك الأضرار البنيوية والمعنوية وغير المرئية فإنها أكثر من كل ما يمكن توقعه. قيمة الكارثة كبيرة قياسا باقتصاد ضخم، ولكنها نسبيا لا تساوي نصف في المئة. وهي نسبة مهمة، ولكنها ليست كافية للقول: بداية نهاية أميركا
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1102 - الأحد 11 سبتمبر 2005م الموافق 07 شعبان 1426هـ