في كل مرة أسافر من مطار البحرين الدولي تثار في ذهني عشرات الأسئلة بشأن أسلوب "متخلف" في التعامل مع المال العام يمارس يوميا في المطار. فقبل أن يسمح لك بالمغادرة فإنه يجب عليك الذهاب إلى نافذة لشراء "رسم مغادرة المطار" بقيمة ثلاثة دنانير، وبعد أن تمر على "الجوازات" يتم ختم تلك الضريبة لتأكيد أن الشخص دفع وأن "الرسم" استخدم. عشرات الأسئلة تطرح نفسها في هذه الحال: لماذا الإصرار على تسلم قيمة الضريبة نقدا؟ ماذا يحصل للمال المجموع؟ من يأخذه وإلى أين؟ فلنفترض أن المطار يجمع كل سنة ما مقداره عشرة ملايين دينار نقدا، فمن يضمن أن هذا النقد الذي يمر عبر عدة قنوات "يدوية" يصل فعلا إلى الخزانة العامة ولا يتسرب إلى أماكن أخرى؟ فمن المعروف أن توافر النقد أمام الموظفين في المؤسسات العامة والخاصة هو أحد أسباب تسرب المال، لأنه يسهل إخفاء النقد ويسهل التلاعب بالأوراق والأرصدة، بخلاف ما لو كانت العلاقة المالية محكومة بالتداول الرسمي بين المصارف والمؤسسات. ماذا لو لم يختم مفتشو الهجرة على ورقة الضريبة؟ هذا يعني أن أي شخص يستطيع أن يستخدم الرسم مرات أخرى من دون أن يتمكن أحد من منعه. ومن الذي يستفيد من كل هذه "الإجراءات اليدوية" في عالم انتقل إلى التعامل التلقائي عبر الكمبيوتر وعبر الوسائل الأكثر ضمانا؟ لماذا لا تصدر الحكومة تعميما لكل وكالات السفر بأن تقتطع الثلاثة دنانير مباشرة من كل تذكرة، ومن ثم تقوم الوكالات بتحويل ما تقتطعه - بواسطة المصارف - إلى خزانة الدولة مباشرة؟ هل هذا الإجراء صعب على الحكومة، أم أن عشرة ملايين دينار لا تستحق المحافظة عليها؟ كم من الوقت يضيع على المسافر وهو يقف أمام شباك يقول له من يجلس خلف ذلك الشباك إنه لا يقبل بأية وسيلة أخرى للدفع غير النقد؟ هل أن أوقات الناس غير مهمة لسلطات المطار وغير مهمة للحكومة بحيث تضاف عليهم "معاملة يدوية" يمكن الاستغناء عنها من الأساس؟ في كل ما ذكرت أعلاه، من الواضح أنني لست ضد الضريبة، ولكن أعتقد: لو أن ديوان الرقابة المالية أجرى تحقيقات في طريقة التعامل مع النقد يوميا وبصورة يدوية في القرن الحادي والعشرين في البحرين، فإنه بلاشك سيجد ذلك من الأمور غير المستحسنة حتى لو أن موظفي المطار وموظفي الدولة من الملائكة أو من الأولياء والاتقياء الذين يقر لهم الجميع بالنزاهة. فما الداعي إلى اعتماد "معاملة يدوية" في عالم رقمي يسير كل شيء فيه بعيدا عن هذا الأسلوب المتخلف؟ ثم ما الرسالة التي تود البحرين إرسالها لكل من يغادرها؟ هل تود أن تقول له إن بلادنا متخلفة لدرجة أنها لم تجد وسيلة أفضل لتحصيل ضريبة اعتيادية سوى "المعاملات اليدوية" التي ترفضها كل الدول التي تحرص على سمعتها وتود أن تلحق بأفضل أساليب الإدارة والتقنية العالمية؟ لماذا تبدو هذه الأمور "صعبة" و"معقدة" في عالم تسهلت فيه مختلف شئون الحياة؟ هذه الأسئلة وعشرات غيرها ستستمر تطرح نفسها في ذهني من دون إجابات شافية، حتى يتم التخلص من المعاملة اليدوية "المتخلفة" التي تستحدم حاليا في مطار البحرين لاستحصال ضريبة السفر من جميع المغادرين.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1102 - الأحد 11 سبتمبر 2005م الموافق 07 شعبان 1426هـ