تعاني الأنظمة العربية - كان الله في عونها - من "أمراض مزمنة" نتيجة لتقدمها في العمر، من أبرزها أن تكون مساءلة، وطبعا لأننا شعوب "مؤدبة" ونعرف أن "من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه"، فلسنا نحن الذين نطرح فكرة مساءلة حكامنا بل الأميركان. فالشعوب العربية منقسمة على نفسها إلى 3 مجموعات، مجموعة مؤيدة راضية بالخناق، وأخرى صامتة تخشى "قوانين الطوارئ" الموزعة على دولنا، وثالثة مقهورة ولكنها عندما تتحرك للتخلص من الظلم تكتشف أنها لا تملك صوتا أصلا لتبدي رأيها. أبرز أزمة مرت في "بيتنا العربي" وعانت منها إحدى "الشقيقات" الاثنتين والعشرين، كانت الانتخابات الرئاسية المصرية. فقبل يومين فقط انتهى السيرك الانتخابي بفوز الرئيس حسني مبارك بنسبة 88,6 في المئة من الأصوات، وبدأ غبار أقدام المواطنين - الذين شاركوا في التصويت - تنقشع بسرعة نتيجة لأعدادهم القليلة التي لم تتجاوز 30 في المئة. هذا الحراك السياسي غير المألوف، لم يأت طبعا، طوعا من الرئيس مبارك ونظامه للأسف، ولكنه جاء بسبب ضغوط غربية وأميركية خصوصا. فالإدارة الأميركية أدركت أن الاحتقان الذي يعاني منه الشعب المصري بلغ ذروته وأوشك أن يهز المنطقة ويعبئها ضد الولايات المتحدة، تماما مثلما فعل في "ثورة يوليو" قبل خمسين عاما، فقامت بإجبار النظام المصري على إدخال تعديلات تجميلية على الدستور تسمح بانتخابات تعددية "محسوبة النتائج"، إذ لا نعتقد أن مبارك كان يجلس متسمرا أمام شاشة التلفزيون للتعرف على النتائج. فقد كان يعرف مسبقا النتيجة ونسبة الأصوات، سواء لصالحه أو لصالح خصميه البارزين من حزبي "الغد" الوليد أو "الوفد" الهرم. تلك الانتخابات جاءت بلا مفاجآت وبلا إثارة، وبمشاركة ضعيفة جدا، وهو ما يعكس الإحباط الذي وصل إليه الشعب المصري. فالأيادي السمراء التي صافحت مبارك، وأغدق عليها الوعود بالرخاء الاقتصادي والإصلاحات السياسية والاقتصادية، مؤمنة بأن شكل مصر الجديد لن يكون بالتخلي عن ربطة العنق واحتساء الشاي مع الفقراء في أكواخهم، فالتغيير الحقيقي ليس شكلا فقط، وإنما شكلا ومضمونا
إقرأ أيضا لـ "ايمان عباس"العدد 1101 - السبت 10 سبتمبر 2005م الموافق 06 شعبان 1426هـ