العدد 1101 - السبت 10 سبتمبر 2005م الموافق 06 شعبان 1426هـ

الذكرى الرابعة... وبعدها

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

اليوم تمر الذكرى الرابعة لهجمات 11 سبتمبر/ أيلول وهي ذكرى حاولت إدارة جورج بوش اتخاذها مناسبة لإعلان مشروعها العالمي الخاص، متذرعة بوجود مخطط إرهابي دولي يريد النيل من موقعها وهز أمنها الوطني وزعزعة استقرارها الداخلي وتغيير نمط حياة الشعب الأميركي. فالهجمات كانت مناسبة لإعلان "حرب عالمية" ضد الإرهاب تمتد، كما صرح آنذاك وزير الدفاع، على مساحة زمنية لا تقل عن 20 عاما وتطاول أكثر من 40 بلدا. إلا ان سمات "الحرب العالمية الثالثة" كما وصفتها بعض الاتجاهات المتطرفة في الإدارة "المحافظون الجدد" تختلف في أساليبها وتكتيكاتها عن الحربين العالميتين الأولى والثانية. فالحرب الجديدة ليست نظامية فقط وليست ضد دولة واحدة وإنما ضد مجموعات "إرهابية" منتشرة في عشرات الدول وتستخدم تكتيكات مختلفة عن تلك التي تعتمدها الجيوش النظامية. فالحرب هي بين الدولة الأولى في العالم ومن معها من أنصار وحلفاء وبين "شبكات سرية" لا يعرف مكانها وتتبع أساليب جديدة في المواجهات وتكتيكات القتال. إنها بكل بساطة "حرب عصابات" دولية لم تعهدها دول العالم من قبل. تحت هذا السقف حددت واشنطن بعد هجمات سبتمبر مشروعها الدولي وعلى أساسه أقدمت على فرز معسكر الأصدقاء والأعداء وبدأت بتصنيف العالم بين قوى مضادة للإرهاب وقوى مناصرة له أو محايدة. وعلى قاعدة هذا التقسيم السياسي الجديد نسج بوش شعاره "إما معنا وإما ضدنا". هذا هو المناخ الذي ولدته الماكينة الإعلامية الأميركية عشية البدء في خروج جيوشها من "الوطن الأم" والتوجه إلى ما وصفته معاقل الإرهاب في أفغانستان "جبال تورا بورا" لاجتثاث "الشر" في عقر داره. "إذا لم نذهب إليهم سيأتون إلينا". هكذا وصف بوش حملته ضد الإسلام أحيانا وضد الإرهاب أحيانا أخرى. وفي الحالين شكلت تلك الشعارات التحريضية سلسلة ردات فعل سلبية في مختلف دول العالم الإسلامي. وأعرب الكثير من زعماء العالم في أوروبا وإفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية عن مخاوفهم من تطرف إدارة "البيت الأبيض" واحتمال دفع القوى الكبرى إلى مواجهات غير محسوبة تتخذ شعارات دينية "ثقافية/ حضارية" ضد الإسلام والمسلمين. بدأت حرب بوش إذا من موقع ديني/ قومي وتحت شعارات دفاعية لتحريض الناس على التكتل لدعم معركة طويلة وصفها بالعادلة. إلا ان تلك الحرب التي استغلت هجمات سبتمبر لإعلانها ضد "عدو جديد"، واجهت اعتراضات كبرى. وأبدت جبهة "ضد" مخاوفها من طموحات جبهة "مع" الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية واحتمال تحول تلك السياسة المؤقتة إلى منهجية دولية في التعامل مع القوى الأخرى. وبدأت جبهة "ضد" تطرح أسئلة تتعلق بالأهداف الحقيقية من وراء الإسراع في إعلان هذه "الحرب العالمية" المفتوحة على الزمان والمكان. وتعززت مخاوف العالم الحر وقواه الديمقراطية من وجود مخططات أخرى تريد واشنطن تمريرها تحت شعارات مكافحة الإرهاب. وزاد من المخاوف عدم إحجام الكثير من المسئولين في البيت الأبيض "والبنتاغون" عن الكشف عن أفكارهم ومشروعاتهم في منطقة "الشرق الأوسط الكبير". فهؤلاء أسهموا في نزع الغطاء عن الاستراتيجية الحقيقية التي تتصل باقتصاد أميركا ودورها في المستقبل وحاجتها للسيطرة على النفط وحفظ أمن "إسرائيل" من خلال هيكلة دول المنطقة وإعادة رسم الخريطة السياسية لدائرة "الشرق الأوسط". وبسبب هذه الأجواء المتوترة انقسم العالم وأعيد تشكيل مواقعه ومعسكراته بين مؤيد للسياسة الأميركية ومعارض لها. وفي ظل هذا الانقسام الجديد أعيد إنتاج عناصر "الحرب الباردة" التي تلاشت سياسيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. فالحرب على أفغانستان وثم الحرب على العراق، وتهديد سورية وإيران ودول الجوار بالمزيد من الحروب أسست من جديد سلسلة جبهات مضادة لم تكن بعيدة عن أجواء ذاك الانقسام الدولي الذي نهض على اثر نهاية الحرب العالمية الثانية. نحن الآن وفي الذكرى الرابعة لتلك الهجمات نعيش أجواء تلك الحرب التي أعلنها بوش على "الإرهاب الدولي". وحتى الآن لم تعلن الإدارة الأميركية نهايتها على رغم ما أصاب رأس حربتها من ضربات ليست قليلة ولا بسيطة. فالرئيس الأميركي يتردد أحيانا في التذكير بشعاراته "الايديولوجية" إلا انه عمليا مصر على استكمال ما بدأه. اليوم تمر الذكرى الرابعة فما عساه يقول. فالعالم ينتظر وبعد كل خطاب الكثير من الكلام.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1101 - السبت 10 سبتمبر 2005م الموافق 06 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً