الحكومات اليوم ليست حرة كما كانت في الماضي لتفعل ما تشاء من اعتقال وسجن وتعذيب، ودليل ذلك ما يحدث الآن في الساحة اللبنانية. فالاعتقال الذي أمر به المحقق ديتليف ميليس لأربعة من القيادات اللبنانية هو بداية لعهد جديد في المنطقة. فهذا المحقق الدولي الذي أنهى تحقيقه بطلب من مجلس الأمن الدولي بحسب القرار 1559 أعطي صلاحيات كاملة بما في ذلك طلب التحقيق مع أي مسئول مهما علا شأنه في لبنان وسورية تمهيدا ربما لإجراء محاكمة في منطقة خارج الشرق الأوسط بشأن موضوع وملابسات اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. هذا يقودنا إلى القول إن الفترة القانونية الدولية أصبح لها جهاز تنفيذي دولي مدعوم بالقوة العسكرية لحلف الأطلسي الذي توعد بأن المساس بالمحقق ميليس يعتبر خطا أحمر قد يستدعي تدخلا مباشرا ضد أي جهة تحاول تجاوزه. وهو ما يدفعنا إلى قراءة مستقبل الساحة السياسية الدولية من منظور مختلف؛ بمعنى أن عصر تفرد الحكومات بشعوبها قد انتهى أيضا بما فيه عصر تملص المسئولين من الجرائم التي ترتكبها الأجهزة التنفيذية تحت أيديهم، وانتهى أيضا جانب من الإرهاب الذي تمارسه الأجهزة الرسمية عبر الاغتيالات والاعتقالات أو الظلم المفضوح. ولربما نشهد تحولات جذرية في منطقتنا كـ "رياء" الحكومات و"تفرعنها" على شعوبها. فإذا كان هناك عدد من المسئولين اللبنانيين مطلوبا اليوم للعدالة الدولية فإنه من المؤكد أن القائمة ستتسع لتشمل مسئولين من دول أخرى لهم علاقة مباشرة بحادث اغتيال الحريري! لقد آن الأوان للجميع أن يعلم أن أساليب الظلم والاغتيالات والجرائم والاعتقالات والإرهاب بكل أصنافه سواء إرهاب الدولة أو الجماعات ستصبح من التاريخ قريبا، ولا مجال لممارسات عفى عليها الزمن أن تبقى صدى لمواصلة نهجها... لقد آن الأوان أن يفهم الجميع أن الإنسان له قدسيته وله كرامته وأن الاعتداء على كرامة هذا الإنسان يعني الانهيار السياسي لمن يقوم بذلك.