الحوارات داخل الجمعيات السياسية وبينها توحي بأن لدى البحرين خبرات نوعية تنتظر بيئة مناسبة لتظهر من خلالها إلى الساحة العامة. على رغم النواقص في قانون الجمعيات السياسية، فإنه يمثل مدخلا للعمل السياسي العلني، وبهذا ستكون البحرين أول دولة خليجية تعترف بالأحزاب السياسية "على رغم عدم استخدام المصطلح". البحرين كانت اعترفت بالعمل الحزبي العلني في 1956 عندما تم الترخيص لـ "هيئة الاتحاد الوطني"، ولكن العمل الحزبي العلني لم يستمر كثيرا، إذ تم إعلان حال الطوارئ في نهاية العام ،1956 واستمرت هذه الحال - مع تغييرات طفيفة - حتى مطلع العام .1973 ذلك أنه حتى لو رجعنا إلى الأعوام الأولى من السبعينات، فإن البحرين كانت تعيش تحت طائلة "قانون الأمن العام" الذي صدر في العام ،1965 ورفع حال الطوارئ كان بصورة غير رسمية، تماما كما أن السماح للأحزاب السياسية بالنشاط منذ مطلع 2001 حتى الآن يتم بصورة غير رسمية، بمعنى عدم وجود غطاء قانوني. قانون الجمعيات السياسية، على رغم نواقصه، هو الغطاء القانوني للعمل الحزبي العلني في البحرين، ونحن بحاجة إلى استمرار التنظيمات السياسية في نشاطاتها العلنية، لأن ذلك هو أحد متطلبات الانتقال إلى النظم الديمقراطية. الحوار داخل جمعية الوفاق يحصل على تسليط أكثر من الأضواء والتغطيات، وهذا أمر متوقع نظرا إلى حجم الجمهور الذي تمثله الجمعية. والحوارات التي جرت إلى حد الآن تبين مدى التطور في العمل التنظيمي داخل صفوف حركة جماهيرية كانت، وإلى حد وقت قريب، تعاني من عدم قدرة الجمعية على تحمل عبء الحجم الكبير للجمهور. ولكن العمل التنظيمي العلني فسح المجال للناشطين في الجمعية بأن يمارسوا نشاطا نوعيا من الحوارات وجذب الأنصار إلى هذه الفكرة أو تلك، والعمل على طرح رؤى وتصورات مستمدة من الخبرة التي مرت بها الجمعية خلال السنوات الماضية. إن العمل الحزبي شأنه مختلف وأنواع التخصصات الأخرى، وسرعان ما ستحتاج هذه الجمعيات إلى تشكيل جهاز تنظيمي محترف يتولى تنفيذ الخطط والبرامج، وتوزيع الأدوار، واختيار القيادات والممثلين لدخول الانتخابات البلدية والنيابية وغيرهما، وممارسة الأدوار التنظيمية الأخرى من فرض الجزاء، سلبا أو إيجابا، تجاه الأعضاء الذين سيتوجب عليهم الالتزام بما يتم الاتفاق عليه في المؤتمر العام للحزب "اجتماع الجمعية العمومية السنوي"، إلخ. إن الدخول في العمل السياسي العلني سيعطي فرصة لتخريج القيادات الجديدة التي سيقع عليها ثقل المسئولية، مسئولية تمثيل الناخبين في المجالس البلدية وفي البرلمان. كما ستقع على العاملين في النشاط الحزبي مسئولية وضع الاستراتيجية وبرامج العمل، للابتعاد عن الوضع الحالي الذي يعتمد على طرح الشعارات فقط من دون محتوى. وهذا يعني أن الجمعيات السياسية "الأحزاب" ستتحول إلى معاهد تدريبية وتطويرية بسبب ممارستها اللامباشرة للعمل العلني والمنظم، وسرعان ما ستحتاج إلى موظفين ونشطاء بدوام كامل، وسرعان ما سنجد البحرين تزخر بتجربة رائدة في العمل الحزبي المتطور، بإذن الله تعالى.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1101 - السبت 10 سبتمبر 2005م الموافق 06 شعبان 1426هـ