اتصل بي شاب هاتفيا، وقال لي: سيد، هل تبرئ ذمتي؟ قلت له: على ماذا؟ قال: انا بقيت 4 سنوات اهاجمك في الانترنت بسبب موقفك من المشاركة وأراني الآن بعد 4 سنوات مقتنعا بها كأمر واقع، قلت له وأنا ألطف الجو: وماذا قلت في الانترنت؟ قال: قلت انك عميل وخائن وانك طرحت مقابلة فضل الله. .. قلت له: لا بأس ان تكون انت مقاطعا وانا مشاركا من دون ان نخون بعضنا بعضا. يجب ان نتعلم من درس المقاطعة والمشاركة ألا نعود إلى هذا الأسلوب أبدا... افتحوا النوافذ، ناقشوا القضايا بعيدا عن لغة التخوين وبعيدا عن الشعارات المدغدغة للمشاعر التي تختزل الواقع في كلمات قصار، لأن هذه اللغة التخوينية ستأكل الجميع والعزف على وتر بيع دماء الشهداء وبيع القضية لا يزيدنا إلا ضعفا وها نحن نشهد بعض شبابنا الأعزاء بدأوا يطلقون رصاص الاتهامات والتجريح على الجميع بمن فيهم العلماء. هذه اللغة خطيرة ويجب على المجتمع ألا يسمح بان تصل إلى المؤمنين. انتقدوا لكن لا تجرحوا. وأنا شخصيا لا أؤمن بالكلمات التي تهيج المشاعر، لكن لو سألت وما هي المحصلة وماذا بعد ذلك؟ تكون الإجابة: لا جواب. أقول يجب الحفاظ على وحدة الكلمة، يجب ألا يتم التطاول على العلماء، يجب ألا نعيد اختزال الساحة في الأسود والأبيض والخائن والوطني هذه الثنائيات التي لا تؤكل الناس الا هواء، لا بأس بالنقد، يجب ان نتكلم بلغة الأرقام وبلغة العقل ونحسب الوضع ونضعه في ميزان بعيدا عن الشعارات، بعيدا عن التحشيد، نعيد مراجعة الساحة ونشتغل على مفاهيم الكرامة البشرية الواقعية وعلى المعرفة وعلى الاقتصاد. لا نريد خطابا تنظيريا، نريد خطابا لنسأله: هل وراء الخطاب إنجازات أم لا، هل وراءه انعكاسات اقتصادية تنعكس على معيشة الناس أم لا؟ ليس ثقافة الموت هي الثقافة الصحيحة بل ثقافة الحياة هي الصحيحة، ليس صحيحا أن أسجن وكفى هو الخيار، ليس قدرنا ان ندخل السجون، ليس قدرنا ان نتغرب، نحن لم نخلق لنسجن، لنموت، لنذبح، قدرنا ان نعيش في الدنيا كمزرعة للآخرة وليس صحيحا ان الموت والسجن والتعذيب هي فقط الطرق إلى الآخرة، فالآخرة أيضا لها طرق أخرى ومن طرقها ان نعيش، ان نحيا، ان نرى زينة الدنيا فالدنيا أولى بها أبرارها. قدر ابني وابنك ان يتعلما في أفضل الجامعات في العالم، قدر ابني وابنك ان يبنيا مصرفا كبيرا، أن يبنيا مشروعا اقتصاديا، المعرفة أولا قبل كل شيء، ان مقولة أعيادنا أحزان كلمة ليست صحيحة. أعيادنا أعياد وأحزاننا أحزان وأي خلل في ذلك سينعكس على المنظومة الفكرية والاقتصادية والاجتماعية للجميع، وعلى ذكر السيدفضل الله فلا بأس بالرجوع إلى مقاطع من المقابلة التي أجريتها معه لعل الاخوة الأعزاء ممن يضغطون على إدارة "الوفاق" بعدم المشاركة ينتبهون إلى الخطأ الاستراتيجي لعملية المقاطعة. يقول فضل الله في المقابلة تاريخ 3 يناير/ كانون الثاني 2005: "المقاطعة السلبية لا تؤدي إلى نتيجة... الطلب من الناس ألا تنتخبوا قد لا ينسجم مع غالبية للناس... وهناك آخرون سيركبون الموجة لهذا أقول انه يجب الدخول في العمل السياسي السلمي من جميع منافذه وان ننبذ أي عنف أو ما يؤدي إلى العنف. العمل في السياسة يجب ألا يكون عملا تجريديا، تفكيرا في المطلق. السياسة هي فن الممكن... السياسة الواقعية ليست هي الاستسلام للأمر الواقع، ولكن إلى تغيير الواقع بأدوات الواقع... يجب مراجعة الوسائل وأساليب الخطاب السياسي... انا أسأل... الآن انتم من خلال هذه المقاطعة التي صدرت للانتخابات... ما الحصيلة؟ ما الحصيلة ميدانيا؟ هل استطاعوا ان يحققوا نتائج على المستوى السياسي مثلا؟ صار المجلس - والكلام مازال للسيدفضل الله - ومشى وانتم غائبون... ماذا تعملون الآن؟ تعارضون؟ تصريح من هنا أو تصريح من هناك! لكن لستم لاعبين في الساحة... ربما أصبحتم على الرصيف، على هامش الساحة وليس في قلب الساحة... انا عندما أشارك وأجلب الشعب معي استطيع ان ارفع صوتي داخل المجلس، أقوى من لو كان خارج المجلس.... ليس فقط دائما أطرح الجانب السياسي الثوري أو المقاطع... أطرح مشروعات... أطرح البرامج التي ترتبط بمصالح الناس واجتذب الشارع بكامله"، وعندما قلت له: لكن البرلمان ضعيف، أجاب: "أدخل وأقويه... لو افترضنا جدلا انك لم تدخل المجلس وقمت بالكلام خارج المجلس.... من ناحية واقعية عملية... إلى أين؟ وماذا حصلت؟ في الخارج ليس عندك أدوات التغيير... الإمام علي "ع" لم ينسحب من الواقع ولم يقاطع السياسة كان ينصح الخلفاء ويعطيهم النصيحة... انا أقول: يجب ان نكون موضوعيين، يجب ان نركز على الإيجابيات وننتقد السلبيات وان نحافظ على البلد..." "العدد ،850 الاثنين 4 يناير 2005 "الوسط"". هذه مقاطع من المقابلة التي أجريتها مع السيدفضل الله وتم نشرها في صحيفة "الوسط". علينا ان نعيد قراءتنا للمقابلة عشر مرات ونقرأ نصائح عشرات المفكرين العرب من الكويت والسودان ولبنان ومصر والعراق ولنقرأ تجارب من قاطعوا البرلمانات ثم عادوا لكي تصحح الأوضاع، وأقول: لا داعي لتجريح إدارة "الوفاق" لو افترضنا انها ستشارك مستقبلا وأتمنى ان تشارك هي والجمعيات الأخرى خدمة للناس والوطن.
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1100 - الجمعة 09 سبتمبر 2005م الموافق 05 شعبان 1426هـ