غدا تمر الذكرى الرابعة لهجمات 11 سبتمبر/ أيلول . 2001 وتأتي الذكرى في مناسبة غير ملائمة للرئيس الأميركي جورج بوش. فالاحتفال بالمأساة سيختلط هذه المرة بتلك الأمواج النقدية التي طاولت إدارة "البيت الأبيض" على إثر إعصار "كاترينا" الذي ضرب ولايات لويزيانا والمسيسيبي والاباما وأغرق 80 في المئة من مدينة نيواورلينز. المشهد الآن اختلف عن تلك الصور التي تناقلتها وكالات الأنباء، واندهش العالم أمام منظر انهيار "مركز التجارة العالمي" الذي اعتبر في وقته من رموز المال في الولايات المتحدة. صور اليوم غير صور أمس... إلا أن دلالاتها متشابهة من حيث إظهار ضعف قوة الدولة الأولى في العالم وعجزها عن مقاومة تحديات غير محسوبة على المستويين السياسي والطبيعي. تشابه الدلالات لا يعني أن النتائج ستكون متقاربة. فالمشهد الأول "انهيار مركز التجارة العالمي" أمكن استيعابه باستنفار المجتمع وتخويفه بوجود قوى خارجية تتآمر على أمن الدولة وتريد تغيير نمط حياة الناس في الولايات المتحدة. أما المشهد الثاني "طوفان محيط وغرق مدينة" فهو من الأمور التي يصعب احتواء عناصرها الداخلية بسهولة وتعليق المأساة على قوى خارجية متآمرة. هذا الاختلاف لاحظه بوش منذ اليوم الأول واكتشف أن كارثة لويزيانا أخطر بعشرة أضعاف من تلك الهجمات التي هبطت على مواقع القوة المالية "مركز التجارة" ومراكز القوة العسكرية "مبنى البنتاغون". وأساس تلك الخطورة يكمن في أن مصدرها جاء من الداخل وبالتالي يصعب على الإدارة تدوير الأزمة وإعادة توظيفها لخدمة مشروع استراتيجي يهدف إلى تقويض منطقة "الشرق الأوسط" وهيكلة دولها. بوش الآن أمام لوحة تعكس في مرآتها صورة كارثتين: الأولى قيل إنها خارجية الهيئة والصنع. والثانية داخلية تتصل بذاك الخلل البنيوي الذي أخذ يكشف الغطاء عن حقيقة البناء الاجتماعي الذي تأسست عليه الدولة الأميركية. أمام هذه اللوحة "المرآة" المنقسمة إلى نصفين ماذا سيقول بوش في الذكرى الرابعة لهجمات سبتمبر؟ مثلا، هل سيعيد تكرار خطابة الممل عن "النموذج الأميركي" و"الرسالة الإنسانية" ومكافحة التمييز والتفرقة والشفافية والإصلاح ونشر الديمقراطية في "الشرق الأوسط الكبير"؟ الأمر مستبعد إلا إذا كانت ذاكرة الرئيس الأميركي قصيرة إلى حد غير متوقع. فما حصل في ولايات أميركا الجنوبية يفوق الوصف وما ظهر من الكارثة حتى الآن لا يتجاوز نصف الوقائع. هذه المأساة يرجح أن تسهم في عقلنة الخطاب الأميركي أو على الأقل تهذيبه والحد من غلوائه وادعاءاته. وهذا يعني في لغة السياسة التخفيف من طموحات المشروع الأميركي في الخارج وتقليص موازنات الحروب والنفقات العسكرية لمصلحة رفع موازنات تلك الولايات الفقيرة. السياسة الأميركية الخارجية لن تتغير كثيرا إلى حد الانقلاب على "استراتيجية هجومية" اعتمدتها إدارة "البيت الأبيض" منذ مطلع العام .2001 الانقلاب لن يحصل وكذلك التغيير الشامل. ولكن المتوقع أن تسهم مأساة الإعصار في تعديل لهجة الخطاب وعقلنته وخصوصا إذا أراد الرئيس أن يكسب بعض التعاطف من دول العالم. مناسبة الذكرى الرابعة للهجمات اختلفت الآن بعد الإعصار. فالرئيس لم يعد يسمح له موقعه بتزوير الوقائع وتدوير الأزمة وإعادة تصديرها إلى الخارج. كذلك مناسبة الكارثة لا تسعفه كثيرا بالتحدث عن القوة الأميركية وحسد العالم وكراهية المسلمين لنمط الرفاهية الذي وفره النموذج الخاص الذي نجحت الدولة في تأسيسه. كل هذا الكلام أصبح الآن مجرد حديث عابر في سياق تاريخي يثير السخرية حتى من أقرب المخلصين لمشروع "عولمة" التجربة الأميركية. أربع سنوات تفصل بين ضربة 11 سبتمبر وإعصار "كاترينا"... وهي سنوات قاسية عانى منها "الشرق الأوسط الكبير والصغير" من حروب وإهانات وافتراءات متواصلة. فهل يعيد بوش النظر في بعض فقرات خطابه الايديولوجي "التهويلي" أم يجدد عناصر قوته بعد أن زعزعته عوامل الطبيعة؟ الجواب نتعرف عليه غدا أو بعده... إلا أن منطق الكلام يذهب إلى ترجيح احتمال نشوء نوع من التوازن بين لغة القوة "المصنوعة للتصدير الخارجي" ولغة الضعف "المستهلكة من كثرة تسويقها الداخلي"
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1100 - الجمعة 09 سبتمبر 2005م الموافق 05 شعبان 1426هـ