نشر الجمعة الماضي الجزء الأول من قراءة في كتاب "الأموال" وتناول المبادئ النظرية العامة وهنا الجزء الثاني ويتناول التطبيقات العملية. صارت الأموال بعد رحيل الرسول على ثلاثة أصناف، وهي: الفيء، والخمس، والصدقة. وهي "ما نزل بها الكتاب وجرت بها السنة، وعملت بها الأئمة" "ص 21". وكانت توزع على المسلمين في زمنهم، وأضاف الخليفة الراشد الثاني من شملتهم الآية "والذين جاؤوا من بعدهم" "10: الحشر"، فاستوعبت هذه الآية الناس كلهم اضافة إلى الاصناف الخمسة "آية الفيء" والأصناف الثمانية "آية الصدقة" فلم "يبق من المسلمين الا له فيها حق" "ص 22". برأي ابن سلام أن أموال الفيء والخمس والصدقة "هي أسماء مجملة يجمع كل واحد منها انواعا من المال" "ص 22". فمال الصدقة هي زكاة اموال المسلمين من الذهب والفضة والابل والبقر والغنم والحبوب والثمار وهي للأصناف الثمانية "لاحق لأحد من الناس فيها سواهم". ومال الفيء وهو ما اجتني من أموال أهل الكتاب مما صولحوا عليه وتشمل الجزية، وخراج الأرضين "ما افتتح عنوة ثم اقرها الامام في أيدي أصحابها على ضريبة أو مكيال يؤدونه" أو "أرض الصلح التي منعها اهلها حتى صولحوا منها على خراج مسمى"، أو ما يأخذه العاشر من ضريبة مرور على تجارة أهل الكتاب، أو ما يؤخذ من البلاد الاخرى "أهل الحرب" إذا دخلوا بلاد الاسلام للتجارة "فكل هذا من الفيء" "ص 23". ويوزع مال الفيء على عامة المسلمين غنيهم وفقيرهم، فيكون "في اعطية المقاتلة، وارزاق الذرية، وما ينوب الامام من امور الناس بحسن النظر للاسلام وأهله" "ص 23". ومال الخمس وهو خمس غنائم أهل الحرب، والركاز "الكنز" العادي "ذهب وفضة تخرج من الأرض"، وما يكون من غوص "اللؤلؤ"، أو معدن. واختلف أهل العلم على توزيع مال الخمس بعد رحيل الرسول "ص". فقال بعضهم هو للأصناف الخمسة المسماة في الكتاب "آية الفيء". وقال الخليفة عمر بن الخطاب هو للاصناف الثمانية "آية الصدقة". وقال بعضهم سبيل الخمس سبيل الفيء ويكون حكمه للامام "ان رأى ان يجعله فيمن سمى الله جعله. وإن رأى أن أفضل للمسلين وأنفع عليهم أن يصرفه إلى غيرهم صرفه" "ص 23". وشرط جباية المال، برأي ابن سلام، هو العدل والرفق بالإنسان. فالجزية والخراج "إنما هما على قدر الطاقة من أهل الذمة، بلا حمل عليهم، ولا اضرار بفيء المسلمين، ليس فيه حد موقت" "ص 49". لذلك يمكن تأخير الجزية والخراج للرفق بهم. فهما غير مرتبطين بزمن محدد "ص 51". كذلك تفاوتت الجزية اجتماعيا فكان مقدارها على الأغنياء 48 درهما في السنة، وعلى متوسطي الحال 24 درهما، وعلى الفقراء 12 درهما. وضرب الخليفة عمر الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير وأهل الفضة 40 درهما. وضرب الجزية على أهل الشام أكثر من أهل اليمن، لأن أهل الشام من اليسار "أغنياء". كذلك كانت ضريبة الأرض "خراجها". فالزيادة أو النقصان تأتي بحسب الطاقة والقدرة والمكانة الاجتماعية والبيئة الجغرافية والمهنة. بعد احكام البشر كمصدر للمال يأتي ابن سلام إلى احكام الأرض، وهي ثلاثة: أرض اسلم عليها أهلها فهي لهم ملك أيمانهم وهي أرض عشر لا شيء عليهم فيها غيره، وأرض افتتحت صلحا على خراج معلوم فهم على ما صولحوا عليه لا يلزمهم أكثر منه، وأرض أخذت عنوة فاختلف على حكمها المسلمون على اجتهادين وهما: أ - سبيلها سبيل الغنيمة، فتخمس وتقسم فيكون أربعة أخماسها خططا بين الذين افتتحوها خاصة ويكون الخمس الباقي لمن سمى الله. ب - حكمها والنظر فيها يعود إلى الإمام، ان رأى ان يجعلها غنيمة فيخمسها ويقسمها، كما فعل الرسول بخيبر فذلك له. وان رأى ان يجعلها فيئا فلا يخمسها ولا يقسمها، ولكن تكون موقوفة على المسلمين عموما ما بقوا، كما صنع عمر بن الخطاب بأرض السواد في العراق "ص 64". واختلفت أحكام الأرض غير المفتوحة. فحكمها يعود إلى الإمام، فإما ان يقطعها اقطاعا، أو يستخرجها المسلمون بالاحياء، أو يحتجزها بعضهم من دون بعض بالحمى، فالحكم يعود إلى الإمام فإن شاء لم يجعلها غنيمة ولا فيئا وردها على أهلها الذين اخذت منهم "ص 73". وعلى هذا توزعت الأراضي الى ثلاثة أصناف: فأرض المسلمين "أرض عشر"، وأرض المعاهد أرض صلح "يؤخذ على ما صولحوا عليه"، وأرض العنوة "أرض خراج" فهي فيء للمسلمين. ومن أسلم من أهل الصلح أحرز نفسه وماله إلا الأرض، فإنها فيء وغلتها للمسلمين. ففي حديث للرسول "انه من أسلم فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم، فإن الاسلام يهدم ما كان قبله" "ص 170". إلى هذه الأصناف هناك العطاءات وهي تلك التي قام بها الخليفة الثاني بعد فتح العراق والشام، فبدأ بأهل الرسول وزوجاته، ثم علي بن أبي طالب وولديه "الحسن والحسين"، ثم لمن شهد بدرا من بني هاشم، ثم المهاجرين وحلفائهم ثم الأنصار ومواليهم "ص 232". واتبع الخلفاء الراشدون سنة عمر فوزعوا العطاءات واختلفت النسب بحسب الأقدمية والقرابة وصولا الى الموالي، وأهل المدن "الحواضر" وأهل الصحراء "البدو"، اذ كانت تؤخذ الصدقة من أهل البادية وليس الفيء لأن عمر أوصى بالأعراب "فهم أصل العرب ومادة الإسلام" "ص240". إلى العطاءات هناك الاقطاع. فالرسول اقطع في عهده بعض الصحابة أراضي في اليمامة "مجاعة بن مرارة" وخيبر "الزبير" والعقيق "بلال بن الحارث" واليمامة "فرات بن حيان" وأرض في بلاد الروم "أبوثعلبة الخشني" وقرية في بيت لحم وبلدات في بلاد الشام "تميم الدارمي" والملح في مأرب "أبيض بن المازني". وأقطع الخليفة الأول "أبوبكر" أرضا لطلحة بن عبيدالله، وأقطع أيضا لعيينه بن حصن. وأقطع الخليفة الثاني أرضا في البصرة لرجل من ثقيف "نافع أبوعبدالله" واشترط عمر على ألا تكون أرض جزية ولا أرضا يجري اليها ماء جزية. واقطع الخليفة الثالث "عثمان بن عفان" خمسة من أصحاب الرسول "ص 280" . الى الاقطاعات هناك الصوافي، وهي تلك التي أصفاها عمر من السواد وهي عشرة أصناف: أرض من قتل في الحرب، أرض من هرب، كل أرض لكسرى، كل أرض لأهل كسرى، كل مغيض ماء، وكل دير نريد، وأراض جلى عنها أهلها "فلم يبق بها ساكن ولا لها عامر" "ص285". الا ان الاسلام أعطى الأولوية لاحياء الأرض وعمارتها وجاءت أحكام في احياء الأرض واحتجازها والدخول على من أحياها على ثلاثة أوجه: ان يأتي الرجل الأرض الميتة فيحييها ويعمرها، ان يقطع الإمام أرضا مواتا، الا ان الرجل يفرط في عمارتها حتى يأتي آخر فيحييها ويعمرها وهو يحسب انه ليس لها مالك، وان يحتجز الرجل الأرض ثم يدعها فلا يعمرها ويمتنع غيره من احيائها لمكان حيازته واحتجازه. ففي كل هذه الحالات تكون الأرض لمن أحياها. "ص 291". فالأفضلية دائما لمن اعتنى بالأرض. الانتاج في المعنى المذكور يسبق الملكية الخاصة "اقطاعات، عطاءات، وصوافي" والناس في حديث للرسول "ص" شركاء في الماء والكلأ والنار، والمسلم أخو المسلم يسعهما الماء والشجر "ص 297". إلى الشراكة في الثلاثة هناك العدالة في توزيع الثروة، فالخليفة عمر قال لمعاذ بن جبل: لم ابعثك جابيا ولا آخذ جزية ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فتردها على فقرائهم "ص 550"
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1099 - الخميس 08 سبتمبر 2005م الموافق 04 شعبان 1426هـ