العدد 1098 - الأربعاء 07 سبتمبر 2005م الموافق 03 شعبان 1426هـ

حتى "المتوت" تسرق من كتب شريعتي!

"التشيع الصفوي" و"التسنن الأموي"

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في العام ،1979 نشرت إحدى المطبوعات في البحرين موضوعا عن عمليات الاغتيال التي تعرض لها عدد من علماء الدين "الثوريين" على أيدي عناصر إرهابية، من بقايا جهاز "السافاك". المطبوعة المذكورة تلقت معلومات مغلوطة من "الخارج"، فخرجت بعنوان يتهم من أسمتهم "جماعة علي شريعتي" باغتيال العلماء! ولأن شعب البحرين كان يعرف من هو شريعتي، فقد أثارت تلك التهمة استياء واستنكارا شديدين. ففي البحرين لا تتوقع أن يسكت عن ترهاتك الرأي العام عندما تحاول استغفاله أو مغالطته أو تزوير الحقائق أمام عينيه. من هنا بدأ الجمهور يتصل هاتفيا بإدارة المطبوعة، محتجا على هذا الموضوع المفبرك ويسأل عن المصدر، فلما اكتشف ان "العراق" وراءه بطل العجب. بعد يوم واحد من نزول العدد إلى الأسواق، صدر كتيب صغير وزع في مناطق مختلفة من البحرين، بعنوان: " "..." يتطاول على منظر الثورة الاسلامية في إيران". وأمام ضغط الرأي العام، تمالكت المطبوعة نفسها متحلية ببعض الشجاعة، فاعتذرت لقرائها على ما أوردته دون تدقيق. هذا الرجل الذي ألصقت به تهمة الاغتيالات وهو راقد في قبره في ريف دمشق، يلقبه الإيرانيون بـ "المعلم"، إذ أثرت أفكاره وطروحاته الراديكالية على جيل كامل من الإيرانيين، فضلا عن تأثيره على ما بات يعرف بـ "حركات الاسلام السياسي" في الشرق الأوسط كما يقول الدارسون. هذا المفكر الذي نشأ في مدينة مشهد، وقتل في منفاه بلندن عن 44 عاما، قال عنه الكاتب الوجودي الفرنسي الشهير جان بول سارتر: "أنا ليس لي دين، ولكن لو كان علي أن أختار فسأختار دين شريعتي". رجل بمثل هذا الثقل والعمق والتأثير، من العار أن يصبح تراثه نهبا مرة أخرى في بلادنا، بل ويستخدمه البعض في مماحكاتهم الطائفية لحرق هذا الوطن، اعتمادا على التزوير والتلفيق والتضليل، واستغلال بعض الفقرات على طريقة: "لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى". "النساء: 43" ولشريعتي قراءة معمقة للتاريخ الاسلامي، استخلص منها أعظم دروس الوحدة، إذ شنع على حكام وسلاطين المسلمين، التهاءهم بالصراع الداخلي فيما بينهم، وخصوصا الأكثر تورطا بالمستنقع الطائفي، "العثمانيين والصفويين"، في وقت يتعرض فيه العالم الاسلامي للغزو الأجنبي. وفي سياق قراءته لعوامل التخلف الدائم في الشرق، توقف شريعتي كثيرا أمام عامل الاستبداد والظلم التاريخي، وإخراج الشعوب من المعادلة، حتى أصبح الاسلام أسيرا في أيدي السلاطين. ومن هنا اشتق مصطلحين مهمين: "التشيع الصفوي" و``التسنن الأموي"، ليعبر عن حقيقة ارتهان الدين الاسلامي ومذاهبه الفقهية بأيدي الحكام، وعن حقيقة استلاب القرآن والدين وترويضهما لخدمة القصور عبر العصور. خطاب شريعتي للمسلمين كان يهدف إلى أن يعيدوا التفكير في تاريخهم من جديد، ليكتشفوا حقيقة دينهم الأصيل. أراد أن يقول للسنة: اكتشفوا التسنن المحمدي الأصيل، فما بأيديكم هو "تسنن أموي"، وأراد أن يقول للشيعة: اكتشفوا التشيع العلوي الأصيل، فما بأيديكم "تشيع صفوي"، حينها ستجدون أنفسكم تلتقون على صعيد واحد. شريعتي هذا، استطاع أن يحرك الايرانيين لأنه أقنعهم بان التشيع الذي يعيشونه انما هو تشيع أسير لقصر الشاه "الشيعي"، كما أن التسنن ظل أسيرا لقصر الحاكم "الأموي" عبر القرون. وهي مقابلة تنم عن قراءة عميقة للتاريخ الاسلامي بعيدا عن المذهبيات، إذ ينظر إلى التاريخ بعين عالم الاجتماع البصير. هذه هي حقيقة أفكار شريعتي، والتي تتعرض اليوم لحملة من التزوير على أيدي بقايا فلول البعث في البحرين، فيما يكثر "الطائفيون" استخدام المصطلح الأول في مماحكاتهم الطائفية البغيضة في البحرين والخليج، بينما أغمضوا أعينهم عن المصطلح الثاني وكأنهم قوم لا يبصرون. شعب البحرين الذي رفض تدليس وهلوسة مجلة مغمورة قبل ربع قرن، لن يقبل هذا الاستخدام المفرط للنم والدس والوقيعة بين أبناء الوطن، واتهام بعض أبنائه بالصفوية جبنا عن مواجهة استحقاقات المرحلة، وتعاميا عن حقائق الصراع الاجتماعي وتهربا عن تسمية الأمور بأسمائها في هذا البلد. عطني خدك! تبدأ الرقصات الطائفية بسرقة صغيرة في الظلام، كويتبة موتورة تسرق أحد المصطلحين وتروجه وتغمض عن الآخر ليستمر مسلسل التضليل والتجهيل، ويأتي موتور آخر ليطبل لها، فـ "الانجيل يشهد للكنيسة والكنيسة تشهد للانجيل" كا يقول الانجليز! فيما يأتي ثالث القوم ليرقص وراءهما رقصة السامبا، مرددا المعزوفة الخرقاء. جوائز الدنيا كلها، وتكريم المحافظات كلها لا تستر عورة شيخ توقفت لديه حاسة التفكير! من حقهم وحدهم أن يكتبوا ما يشاءون، ويسبوا من يريدون، فإذا استخدم أحد حقه الطبيعي في الرد... هرعوا يشتكون كالأطفال الصغار

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1098 - الأربعاء 07 سبتمبر 2005م الموافق 03 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً