العدد 1098 - الأربعاء 07 سبتمبر 2005م الموافق 03 شعبان 1426هـ

تداعيات "كاترينا"

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حتى الآن لاتزال تداعيات إعصار "كاترينا" تتوالى أمواجها السياسية ضاربة أبواب "البيت الأبيض" في واشنطن. فالرئيس الأميركي اضطر الى زيارة المنطقة المنكوبة أكثر من مرة للدلالة على اهتمامه بالمأساة. وسارع الى إرسال وزير الدفاع لتأكيد قوة الدولة ونفوذها في كل الأقاليم والولايات. وأرسل أيضا وزيرة الخارجية لتأكيد أن واشنطن لا تفرق بين أميركي وآخر. فالكل برأيها سواسية في الواجبات والحقوق. كذلك جمع الرئيس جورج بوش أعضاء الكونغرس "غالبية جمهورية" طالبا منهم رصد موازنة تزيد عن عشرة مليارات دولار لمساعدة المنكوبين. كل هذه الافعال لم تنفع بوش إذ لايزال سيل الانتقادات والمقالات والتصريحات يتقاطر من كل الجهات متهمة إدارة واشنطن بالتقصير والإهمال وسط ذهول الشعب الأميركي الذي اكتشف فجأة مدى ضعف دولته وظهورها امام العالم في موقع الهزيل والعاجز وغير القادر على مواجهة تحديات الطبيعة. حتى الآن يحاول بوش انقاذ سمعة إدارته واظهار المناعة وعدم الضعف خوفا من ان تهتز صورة أميركا وتنهار امام "المعجبين" بها الأمر الذي ستكون له انعكاساته السلبية على موقع الولايات المتحدة العالمي ودورها الدولي في فرض تصوراتها على الآخرين. حتى الآن فشلت المحاولات في تجميل الصورة وتحسينها كذلك لم تسفر تلك المعالجات المتسرعة في منع التشويش الذي ظهر على شاشات التلفزة وكشف عن ضعف بنيوي تعاني منه الدولة الأولى في العالم. فهذه الدولة التي قدمت نفسها وكأنها الملاذ الأخير لكل المشكلات انكشفت امام العالم بصفتها دولة غير قادرة على حل مشكلات تعاني منها الكثير من دول العالم. الإدارة الآن متهمة بالعنصرية أو على الأقل بالتفرقة العرقية "اللونية" بين أبناء الشعب الواحد. وهذه التهمة ليست بسيطة في بلد قامت سمعته على التنوع والتعدد والمزج بين الاعراق والثقافات. فما ظهر امام العالم هو عكس تلك الصورة الزاهية التي درجت أميركا تقديم نفسها للعالم. فالمزج ليس صحيحا لأن الواقع أظهر سلسلة فروقات فعلية بين الأبيض والاسمر والأسود على مختلف المستويات السياسية والثقافية والاجتماعية. وهذه التفرقة لا تقتصر على فشل نظرية الدمج بل تؤشر الى وجود خلل في توازن العلاقات الأهلية بدليل ان الأسود يعيش في احياء منعزلة "منفصلة" عن الأبيض. وان احياء السود هي اشبه بمناطق سكنية مهملة ولا تنال الرعاية الاجتماعية والصحية التي تنالها تلك الاحياء التي يعيش فيها البيض وخصوصا تلك الأقليات الأوروبية الزاحفة من جماعات "الانغلوساكسون". والتمييز الذي كشفته "كاترينا" في إعصارها أظهر أيضا مستويات مختلفة "تدرج في الألوان" بين الأقليات الأوروبية نفسها يقوم على التفرقة بين أبيض بروتستانتي وأبيض كاثوليكي وآخر ارثوذكسي. وبين الأبيض والأسود هناك سلسلة الوان تتدرج من الاسمر العربي "البحر المتوسط" والأميركي اللاتيني "الهاسبانك والكاريبي" وصولا الى الأصفر "الصيني". التمييز بين الاعراق والألوان والثقافات والديانات هو اخطر ما كشفته "كاترينا" في ذاك الإعصار الذي جرف معه تلك القشور وكشف ما تحتها من شبكات أهلية لا تتوافق مع تلك الصورة. فالصورة "الدولة" شيء والواقع الاجتماعي "العمران البشري" تنخره العصبيات على مختلف أنواعها. وحين تكثر العصبيات في الدولة تضعف صورتها وتعجز عن التوليف بين الجماعات الأهلية وتوحيدها لمواجهة اللحظات الصعبة. إعصار "كاترينا" شكل مناسبة سياسية للقوى الأميركية المضادة للنموذج لإعادة تنشيط ذاكرتها والبدء في تأسيس منهج نقدي يبدأ من تلك الفاجعة للكشف عن خطأ يتصل أصلا بالدولة نفسها وتاريخها القائم على العنف والتفرقة. حتى الآن لاتزال إدارة بوش تعاني من تداعيات الإعصار. وهناك مساحة زمنية تحتاجها واشنطن لإعادة الاعتبار إلى صورتها التي اهتزت عالميا ولم تعد توحي بالثقة كما كان أمرها قبل أيام.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1098 - الأربعاء 07 سبتمبر 2005م الموافق 03 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً