العدد 1098 - الأربعاء 07 سبتمبر 2005م الموافق 03 شعبان 1426هـ

عين ترصد الداخل وأبواب تسيل بالحفاوة

"الوراقون" في إصدارها الثاني "أبواب خليجية":

في إصدار "الوراقين" الثاني المتميز، يفتح علينا كل من محمد عبدعلي بوحسن، وميساء محمد جابر الأنصاري، "أبوابا خليجية" من زوايا التقاطهما الحاد والشفاف معا، الطري والمتهالك من تلك الأبواب،التي تحمل سمة اليسار والنعمة، وتلك التي ينبئ تهالكها عن زمن وقبضات ووجوه مرت من المكان فيما الأبواب ظلت متشبثة بحضورها الآسر. يمهد بوحسن، والأنصاري بجهدهما المشترك والمتميز، الطريق أمام تنظيم وترتيب عيون وعدسات خليجية متناثرة، بل ومتشبثة بحال فوضاها، وكأنها لا تبصر المتحرك والثابت من الأشياء من حولها. يمهدان لميدان ظل حكرا على مجموعة من السياح، وكثير من الهواة وقليل من المحترفين الأوروبيين، بحيث صارت اصدارات و"ألبومات" بالمستوى الذي ظهر فيه "البوما" الوارقين ضربا من الصدمة، وباعثا على الإستغراب والدهشة، وكأن العين المسلحة بحساسيتها الشعرية حكر على الآخر. الأمر الذي من الضروري الالتفات اليه في هذا الصدد، أن بوحسن والأنصاري يمهدان ويسهمان في التأسيس لحساسية جديدة مبعثها "نص الصورة" وقبل التأسيس لتلك الحساسية، ثمة تأسيس يتصديان له يبدأ من التأكيد على ثقافة الصورة، باعتبارها شكلا من الأشكال التعبيرية الفاعلة في رصدها - وليس اختزالها كما يظن - لمجمل دقائق وتفاصيل الحركة من حولنا، والأهم والأعمق من كل ذلك، رصد والتقاط، بل القبض على حساسية اللحظة. مثل تلك الثقافة هي في العمق من الغياب عربيا، وإن حضرت تظل في كثير من مساحاتها تومئ الى الساذج مما ينتج، الا من رحم ربك. ذلك جانب. جانب آخر هو على قدر كبير من الأهمية يسهم به الفنانان، محمد بوحسن، وميساء الأنصاري، يتحدد في الجانب التوثيقي المهم للإشتغالات والمهن والحرف التي تكتنز بها مملكة البحرين، وهو جانب لاشك سيكون له تأثيره البالغ ومدده الضروري للمشتغلين على عدد من المباحث الأنثروبولوجية. بالنظر الى الأقواس المؤدية الى بعض الأبواب التي احتواها "الألبوم" والنقوش التي زينت معظمها، والإطارات الحافة بها، والأقفال التي تخرس صرير الأبواب، والمداخل المؤدية الى السلالم، يتكشف للمعني والمتكئ على اليسير من ثقافة الصورة، أن ثمة مساحة من الحساسية الشعرية الرافدة للحظة وزوايا التقاط الصورة، وبفضل تلك الحساسية الشعرية التي يتمتع بها بوحسن والأنصاري، أتيح لكثيرين أن يمكثوا في مساحة الدهشة والإنبهار بذلك الصنيع الإستثنائي الذي تجترحه عين أولى "عين المصور"، وتصقله عين ثانية "العدسة".

أبواب بأجنحة، وأخرى كأحضان

يأخذك عدد من صور الإصدار الى حال من تنشيط مخيلتك، أو هكذا ترى الأمر من دون أن تبذل جهدا في هذا الصدد. ثمة أبواب تتراءى لك بأجنحة، خصوصا مع وجود الفضاءات والمساحات التي تسبقها أو تلك التي تليها، أو حتى التي تبدو السماء فيها ممتدة ولو من خلال كوة في المكان. ثمة أبواب تسيل بالحفاوة، تتراءى لك سعة أحضانها، وينتابك شئ من دفئها الغابر، وهو مستو... مقيم يبعث ما تبقى منها لأزمنة حاضرة وأخرى ستأتي. ليست الأبواب وحدها حاضرة تتحول النوافذ الى أبواب في بعض صور المجموعة، على الرغم من غابة القضبان التي تدعك تشكل صورة وامتداد المكان في الخارج. لم تكن الأبواب وحدها شاغلة المكان، اذ ثمة تفاصيل تحيط بها، وأضفى عدد من الصور مسحة من روح أبعد مدى وتوغلا وإغراء في الدخول في حال من الحوار البعيد والعالي. الإضاءة، الأفق، الظلال، النتوءات، الأقواس المفتوحة على المدى، نصف شمس يحجبها نصف قوس، سماء تبدو مستطيلة من خلال إطار يؤدي الى شرفة خارجية لقلعة تحرس المكان، الشمس والمطر، والرطوبة يشكلون بحرفية عفوية ملامح بعض الأبواب شبه المحتضرة، أو هكذا تحاول إيهام الناظر اليها بعين غفلته، حين يراها في النزع الأخير من العمر.

قليلة هي الأبواب المفتوحة

معظم الأبواب موصدة، لكأنها في حال من ترتيب عزلتها، وقليلة هي الأبواب المشرعة. ما الذي يجعل قليلها مشرعا، أهو مقتضى الرؤية الدقيقة؟ هل بسبب أن الأبواب وهي مغلقة يروق لها أن تكلمنا رمزا، فيما هي تفصح عن بلاغة حفاوتها حين تكون مشرعة على المكان والمدى؟.

للمزلاج نصيبه من الرصد

أبواب يرجع بعضها الى أواخر القرن السابع عشر، وبداية القرن الثامن عشر، مزاليج، وألسنة أقفال من النصف الأول من القرن العشرين. مزلاج معلق على استحياء لأبواب بالكاد تنبئ أنها مفتوحة، فيما مساحة اختفى منها إطار زجاجي، تكشف تفاصيل المكان من الداخل.

حين يسرف النقش يدل على اليسار

كلما أسرف النقش، دل على صاحبه، كلما انهمرت حكمة الصانع، كلما أسرف النقش في حضوره على الأبواب، كلما دل على ثراء صاحبه. بروز نقوش كتلك - بعضها ناتئ - تنبئ برفاهيات ثلاث: رفاهية الباب، ورفاهية صاحبه، ورفاهية المكان. ثلاث رفاهيات، ويحق لنا أن نضيف اليها رفاهية رابعة، رفاهية العين التي التقطت كل ذلك، اذ لولا رفاهيتها هي الأخرى لما قدر التأريخ لكل تلك التفاصيل.

الدهاليز: شرايين المكان

تنحو عدسة بوحسن والأنصاري منحى يبدو تبسيطيا لكثيرين، فيما هو يلج في عمق الممارسة، يقيم توغله الأشد ، توغلا ضاريا لا يدع للعين فسحة من فراغ، فحتى الفراغ له ما يدل عليه... الفراغات ذاتها جزء من اكتظاظ الصورة بالكثير من الدلالات العميقة. في لعبة الدهاليز وهي مغسولة بالضوء، مكللة بالأقواس ذات البهاء والهيبة، تقف على مزاوجة لها محاولات كشفها، كشفها لحال أخاذة بين لعبتين: لعبة الأعالي "الأقواس" ... ولعبة الدنو من سيرة الإنسان الأولى... سيرة تكوينه " العبور من خلال تلك الدهاليز".

حكمة الهامش

يترك الفنان بوحسن، والأنصاري للراصد أن يقرأ ويعلق ويضع هوامشه الخاصة على مجموعة الصور التي حوتها المجموعة، فيما قليل من الهوامش التي حوتها مثلت اضاءات لابد منها. تلك الإضاءات القليلة هي التي منحت الهامش حكمته في المجموعة، حكمة أن لا تقول شيئا ما دامت الصورة مستوية على حضورها الملئ والمدهش.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً