قبل سنة ونصف السنة تقريبا تظاهر نحو ثلاثة آلاف مصري رافعين شعار كفاية في وسط القاهرة احتجاجا على ترشيح الرئيس المصري حسني مبارك نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهي حركة معارضة كبيرة يواجهها الرئيس حسني مبارك، وأصبحت تعرف الحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية"، هذا الضغط الشعبي غير من وقائع المشهد السياسي المصري، إذ أجبر الحكومة على إجراء التعديل الدستوري الذي أقر باستفتاء شعبي - لم يبعد قضاة مصر عن التشكيك في نزاهته - يوصي بتعدد مرشحي الرئاسة على شرط حصول المرشح على تزكية مئتين وخمسين عضوا في مجلس الشعب والشورى ومجالس المحافظات، اعتبرت المعارضة ان هذا شرط كفيل بجعل الترشح إلى الرئاسة عملية تعجيزية بسبب سيطرة الحزب الوطني الحاكم على المجالس. وفي الوقت الذي ستكون نسبة المشاركة الرهان الأبرز للانتخابات المقبلة، أعلن الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم انه يعمل على حشد الناخبين لضمان مشاركة 50 في المئة منهم على الأقل، وستجرى هذه الانتخابات بالاقتراع المباشر لأول مرة يشارك فيها إلى جانب الرئيس المصري الحالي تسعة مرشحين من أحزاب المعارضة المعترف بها رسميا وأبرزها حزبا الوفد والغد. وأصبحت المنافسة على مقعد الرئيس؛ والتي بدأت وقائع حملاتها الانتخابية من 17/ 8 وتستمر على مدى ثلاثة أسابيع، يتقدمهم الرئيس مبارك رئيس الحزب الوطني الديمقراطي الذي حصل على رمز الهلال، وأيمن نور رئيس حزب الغد الذي حصل على رمز النخلة والدكتور أسامة شلتوت رئيس حزب التكافل الذي حصل على رمز الهرم، ورئيس حزب مصر العربي الاشتراكي وحيد الأقصري الذي حصل على رمز الشمس، ورئيس الحزب الدستوري الاجتماعي ممدوح قناوي الذي حصل على رمز البيت، ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي إبراهيم ترك الذي حصل على رمز الفنار، ورئيس حزب الأمة أحمد الصباحي الذي حصل على رمز الكتاب، ورئيس حزب الوفاق القومي رفعت العجرودي الذي حصل على رمز المصباح المضيء، ورئيس حزب مصر 2000 فوزي غزال الذي حصل على رمز السنبلة، ورئيس حزب الوفد نعمان جمعة الذي حصل على رمز الشعلة. ويعتبر الرئيس المصري الحالي حسني مبارك الذي تولى منصبه منذ العام 1981 عقب اغتيال السادات أبرز المرشحين في هذه الدورة الانتخابية. إذ تطغى صوره في الشارع المصري على بقية صور المرشحين التسعة الآخرين إلى الرئاسة مع بدء الحملة الدعائية للانتخابات وفي ظل الحملة الانتخابية الواسعة للرئيس المصري الذي يحكم البلاد منذ أربعة وعشرين عاما، انقسم المصريون بين مؤيد ومعارض له، بل ان البعض رفض العملية برمتها ودعا الى مقاطعتها، بحجة ان نتائجها محسومة سلفا وسترجعهم للمربع الأول. لكن غالبية المصريين يتمنون أن تسفر الانتخابات عن تغيير حقيقي في نواحي الاقتصاد المصري، اذ إن 62 في المئة منهم يرون أن السبب الرئيسي هو أداء حكومتهم، فالفساد المالي أصبح هو الظاهرة الأكثر شيوع وتضخما بصورة غير مسبوقة في السنوات الأخيرة، وهم يرون أن الحكومة تتستر كثيرا على الفاسدين وأن من تتم إحالتهم للقضاء هو عدد محدود لا يمثل الحد الأدنى من المسئولين الحكوميين المتورطين في الرشا، كما انهم يرون أن هذا الفساد هو الذي أدي إلى شيوع ظاهرة غلاء الأسعار، وانتشار الفقر في كل محافظات وقرى مصر. وعلى رغم ذلك يرى غالبية المصريين أن خيار مبارك يأتي لعدم وجود بديل ينافس على برامج حقيقية، ولذلك يراهن البعض على انه من الممكن أن تكون هناك تغييرات في فترة حكم مبارك المقبلة لأن النظام بدأ يستشعر فعلا خطورة المرحلة المقبلة. اما واشنطن فبدأت تتراجع عن موقفها المتشدد تجاه نظام حكم مبارك، اذ يشير الرئيس الاميركي جورج بوش في مطلع يونيو/ حزيران الماضي بقوله "ان الوقت قد حان ليظهر مبارك للعالم ان بلده العظيم يمكن ان يكون القدوة لدول أخرى"، لأن مبارك مازال هو الرجل القوي في داخل مصر، كما انه استجاب للمطالب الأميركية، ووعد بتنفذيها في فترة ولايته الجديدة، وتتمثل هذه المطالب في: الاستجابة للمطلب الرئيسي للجماعات المعارضة بإلغاء قانون الطوارئ، وتقوية دور البرلمان، وإشراك المرأة في البرلمان المصري من خلال حصة في مقاعده، وان يتنازل الرئيس عن جزء من اختصاصاته لصالح الحكومة والبرلمان، وتقوية دور منظمات المجتمع المدني والنقابات، مراهنة في ذلك على أجندة ستطرحها عليه في مرحلة ما بعد الانتخابات تتعلق بدور مصري فاعل في العراق، إذ لابد أن تكون مشاركا رئيسيا في إعادة الاستقرار إلى العراق، وتطوير العلاقات المصرية الإسرائيلية إلى أبعد ما يكون بحيث تصبح هذه العلاقة نموذجا يحتذى في المنطقة. ان الولايات تريد للديمقراطية أن تنطلق من دولة مستقرة نسبيا مثل مصر خصوصا في حال فشلها في تقديم نموذج ديمقراطي صحيح في العراق، كما انه من غير المنطقي ان تدعم الولايات غير مبارك في الوقت الجاري، لأن الإيرانيين أعلنوا التحدي صراحة، مستغلين تأزم أوضاع القوات الأميركية في العراق. فلذلك ارتأت الولايات تأجيل المسألة الإيرانية، لأنهم لن يسمحوا للإيرانيين ان يستدرجوا القوات الأميركية إلى مأزق جديد في إيران، يقودهم إلى كارثة حقيقية تضاف إلى سجل الكوارث الأميركية ولذلك فإن التركيز على مصر بالنسبة إلى الأميركان مهم في المرحلة المقبلة. لكنه يبدو من وقائع مشهد الانتخابات الرئاسية التي ستجرى اليوم، انها ستدفع مصر ذات السبعين مليون نسمة الى إعادة انتخاب حسني مبارك ذي الثمانية والسبعين عاما لولاية خامسة، وإذا فاز مبارك فعليه تركة ثقيلة والتزامات عدة منها: ضرورة طرح صيغة مقبولة لتعديل الدستور المصري يقلل من هيمنة حزب الحكومة على السلطة، وفي المقابل يشجع الأحزاب الأخرى على الوصول إلى السلطة، كما يجب على مبارك إيجاد توافق سياسي بين الحكومة والمعارضة من أجل توفير الاستقرار سياسي في مصر في المرحلة المقبلة، كما لا ينبغي عليه ترك الملف الاقتصادي الخانق، وذلك بالقيام بإجراءات جدية للإصلاح الاقتصادي بحيث يكون هناك تلازم بين الإصلاح كونه مطلبا اقتصاديا وبين الإصلاح كونه مطلبا جماهيريا. كما لابد له من كسب موافقة حكومة واشنطن وإقناع البيت الأبيض بخططه الإصلاحية وتصوراته لحلحلة المشكلات الإقليمية، حتى يتمكن من ضمان مساعدات إضافية لمصر في الفترة المقبلة. لكن هل ستتخلى كفاية عن التهدئة بعد فوز مبارك؟ وهل الصدام قادم لا محالة؟ ان المرحلة المقبلة يمكن أن تشهد صداما في الشوارع المصرية بين الحكومة وهذه الجماعة تحديدا، وأن الأمر لا يعول في أهميته على ما ستسفر عليه الانتخابات الرئاسية بقدر ما سيجرى على مصر بعد ذلك، وأن الخلاف يتركز أساسا حول صلاحيات رئيس الدولة، والخوف من تعزيز توريث الحكم في مصر، وكيف سيكون شكل التوافق بين قوة السلطة وتجميع المصالح المشتركة لكل القوى السياسية، فمصر أمام مستقبل مجهول ومليء بالتوترات السياسية، وخصوصا أن الإخوان المسلمين الجماعة الدينية الكبرى في مصر والمحركين الفعليين لحركة كفاية، لن يستمروا طويلا في سياسة المهادنة التي يتبعونها الآن، وأنهم في إعادة النظر من جديد حول الحركة وفاعليتها في الشارع، الذي يبدو انه لن يستكين، لكن مبارك قادر على ضبط الأمور وإمساكها بيده، اذ ان النظام البوليسي في مصر مازال قويا وسيمضي مع مبارك للنهاية، لكن مع تصاعد الأوضاع، هل ستحدث مفاجأة في مصر كالتي حدثت في موريتانيا؟ لا يتصور العالم حدوث ذلك، اذ يشير احد مسئولي الخارجية الأميركية في تقرير خاص حول ذلك بقوله "ان الوضع في مصر يختلف عن الوضع في أية دولة من دول المنطقة، فمبارك دائما يحيط نفسه بالمخلصين وانه قادر على أن يستبعدهم في أي وقت، وأن النظام في مصر يقوم بتطهير هذه العناصر أولا بأول... وان المصريين مشغولون ببعض المطالب من مبارك وهم يرون انه يمكن ان يكون هو البديل الأفضل أمامهم في المرحلة المقبلة، كما أن الجيش المصري منضبط وليست لديه أية نوازع لمثل هذه العمليات"، بين كل هذه الاطروحات ستبقى الساحة السياسة في مصر مفتوحة بين كفاية ومبارك.