أول سؤال يطرق الذهن عند اتخاذ سلوك سياسي أو قرار حزبي معين هو مدى الخسائر والأرباح لهذه الجماعة أو تلك؟ وهل القرار الذي تم اتخاذه في مصلحة الناس؟ ذلك ما حاولت معرفة دقائق الأمور بشأنه من خلال الاتصال الذي اجريته مع أحد المشايخ الذين حضروا، وكانوا من الشاهدين على المشنقة التي نصب عودها للمدعو عضو جمعية الأصالة الإسلامية الشيخ صلاح الجودر عضو مجلس المحرق البلدي والعضو المؤسس لمراكز تحفيظ القرآن بالمحرق وعضو جمعية التربية الإسلامية. .. لم يسعفني الشيخ بالإجابة عن سؤال "جردة الحساب". ولم يقنعني حتى الشيخ الوقور بعمومياته، بل جرني واياه للحديث عن موضوع آخر يحيك في نفسه، ولذلك فإني - أعتقد - انه كان يفضل الحديث عما يحيك في نفسه على أي شيء آخر؛ حتى لو كان المصير السياسي لجماعته الدينية!

الحديث مع الشيخ الوقور سلك مسارا آخر غير الذي اجريت مكالمتي من أجله وهو موضوع إقالة صلاح الجودر... ويؤسفني القول إن حديثي مع الشيخ الوقور لم يكن ذا جدوى! لأن الشيخ من جملة المتابعين لما اكتبه في هذه الزاوية عن بعد، أي عن طريق قيل، و"قيل" تقال للتضعيف ولا تصلح للحكم على الإنسان ومبادئه وقيمه وأفكاره!

وعودا على بدء، فإن قرار فصل الجودر من "الأصالة" خاضع كباقي القرارات التي تصدر من البشر للنقاش العلمي، وهو ما تستفيد منه الجماعة؛ وليست المبايعة في المنشط والمكره، فتلك كانت لخير البشر "ص"، والتحزب الأعمى مرفوض تماما كما الانقياد والاستبداد بالرأي... ولدي ملاحظات قلبية صادقة اتمنى ان تجد صداها عند الأخوة السلفيين "الذين مازلت اعتقد انه تجمعني واياهم الكثير من المشتركات الاجتماعية، وتبعدني عنهم بعض السلوكيات السياسية، ونبقى جميعا ندور في فلك المصلحة العامة للبحرين"، أوجز ملاحظاتي "أو تساؤلاتي" متمنيا أن يسعفني قلمي في ذلك وان يغفر لي ربي ذنبي إن أخطأت، والقاعدة فإن للمجتهد أجران اتمنى الفوز بهما معا أو باحدهما.

ما هي مصلحة الجماعة المتحصلة من تنحية رئيسها المنتخب "الضغط عليه وإجباره على تقديم استقالته" وهو الذي يمثل الرمزية التاريخية للجماعة، في حادث اشبه "بحرق الرمزية" التي يتمتع بها الشيخ عادل المعاوده؟ وبالتالي إظهاره بمظهر عدم المستطيع والقاصر عن إدراك مصلحة جماعته وتحجيم دوره؟ خصوصا إنه منتخب من قبل دائرة وكتلة عددية ضخمة، ونائب لرئيس البرلمان البحريني، وشخصية لها مكانتها على المستوى الإقليمي... هل هذا القرار السياسي يخدم العمل الجماعي للأصالة؟

هل من مصلحة العمل الجماعي، ومصلحة الناس إقالة عضو منتخب في مجلس بلدي وإظهار الجماعة بهذه الصورة السلبية أمام جمهورها وقواعدها الشعبية ومناصريها، ما يعتبر دعاية سلبية للانتخابات البلدية والنيابية المقبلة... ويعطي انطباعا عن الجمعية وكأنها لم تحسن اختيار ممثليها، وبالتالي زعزعة ثقة الناس في قدراتها المستقبلية على اختيار ممثليها في الانتخابات البلدية والنيابية المقبلة؟

ما هي الظروف "القاهرة" التي اجبرت الجماعة على اتخاذ هذه القرارات الخطيرة والمصيرية في هذا الوقت تحديدا؟ ألم يكن من الأجدى الانتظار لحين انتهاء الدورة البرلمانية والبلدية؟

إذا كانت إقالة الجودر بمبرر أنه لم ينتج شيئا في عمله البلدي، في حين أن الواقع يؤكد إنتاجيته ويكفيه فخرا أنه أول من حرك ملف البيوت الآيلة للسقوط من خلال الصحافة... ولفت انظار الجميع مجهوداته في هذا الملف للدرجة التي ادركت القيادة السياسية بخطورة أوضاع تلك البيوت وتم التحرك الفعلي من الديوان وجاءت مكرمة جلالة الملك للبيوت الآيلة للسقوط؟

هل من العمل الجماعي إقالة عضو فاعل ومؤثر في مجلس بلدي بقرار يتخذ في غياب الرئيس ونائبه وقطب الجمعية الشيخ المعاودة؟

إذا كان المقصود الاختلاف على بعض الأمور واختلاف تقدير المصالح الشعبية بين رأي الجودر والجمعية وعدم التزامه بخط الجماعة، فما هو موقف الجماعة من تصريحات العضو البلدي علي المهندي الأخيرة بشأن مقترح نقل المطار إلى "الجنوبية" الذي يتناقض مع ما صرح به النائب عيسى المطوع؟

لماذا لم يتم ذكر اسباب إقالة الجودر، والتمويه دائما بعموميات وكلام عام لا يقنع صغار طلبة العلم؟ هل ما قام به الجودر كفرا صريحا بمبادئ الجماعة أم هو محل مراجعات وأخذ ورد ونصح ومناصحه وتبادل آراء! اتمنى من الجماعة السلفية والخيرين فيها مراجعة "جردة الحساب" لهذه السلوكيات الاقصائية والدغماتية المسيطرة على الجماعة - من داخلها ومن خارجها - وتنخر في أس بنائها وتقضي على فرص استثمار اختلافات الرأي فيها بدلا من إثرائها فكريا وسياسيا. والله من وراء القصد.

* كاتب بحريني