العدد 1096 - الإثنين 05 سبتمبر 2005م الموافق 01 شعبان 1426هـ

ماذا بعد "كاترينا"؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل يشكل إعصار "كاترينا" مناسبة لإدارة البيت الأبيض لإعادة النظر بسياستها الخارجية؟ الإعصار فضح ذاك الخلل الداخلي الذي تعاني منه الدولة الأولى في العالم وكشف ضعفها أمام غضب الطبيعة. فالولايات المتحدة التي توزع "المساعدات الإنسانية" على الدول المغلوبة أو التي تتعرض للنكبات تحولت فجأة إلى دويلة مغلوبة على أمرها تطالب دول العالم بمساعدتها على تجاوز أزمتها.

هذه الحال الإنسانية طرحت أسئلة كثيرة بشأن موقع الدولة الأولى في العالم ودورها الذي تجاوز حدوده الطبيعية والاستراتيجية في التأثير على السياسة الدولية. فهل تستطيع واشنطن الآن وبعد العاصفة استكمال ما بدأته واستئناف تلك السياسة التدخلية في العالم ام انها ستعيد النظر بتلك السياسة وتبدأ بمراقبة أوضاعها الداخلية التي هي أفضل بكثير من عشرات الدول ولكنها في النهاية ليست جيدة على مستوى توازن القوى بين ولاياتها.

إعصار "كاترينا" كشف الكثير من الخفايا وأوضح بالأرقام والجداول والنسب وجود نوع من التفاوت في النمو بين ولايات وأخرى. ومشكلة هذا النمو المتفاوت لا تقتصر على المعدلات الاقتصادية وانما يضاف إليها ذاك التمييز اللوني بين في المجتمع الواحد. فالتفاوت في المعاش هو نتاج تمييز مركب بين عناصر اجتماعية وتنموية وعرقية ولونية. وحين يتداخل التمييز الاجتماعي مع التفرقة العنصرية تتضاعف المشكلة وتتحول من الاقتصاد إلى السياسة.

هذا النوع من التفرقة المركبة من مجموعة عناصر يزيد من صعوبات حل المشكلات الاجتماعية والتنموية ويرفع وتيرة التوتر الأهلي بين المجموعات الاثنية والعرقية واللونية ويدفع الدولة "المركزية" إلى زاوية من الصعب تجاوزها بسهولة من خلال الوعود والتطمينات وبعض المساعدات. فالتمييز الحاصل يتجاوز تلك المهمات التي تقوم بها عادة منظمات الإغاثة والجمعيات الخيرية... لأنه يطاول أسس هوية الدولة ومعنى تلك اللفظة المشتركة: أميركي.

الهوية الأميركية الآن على محك التجربة. فهناك على أرض الواقع أكثر من "أميركي". وهذا التمييز بين الاصناف والأنواع بين "أميركي" وآخر يرتب العلاقات الداخلية وفق هرمية من الصعب توحيدها وبسهولة في هوية واحدة. وحين تصبح هوية أميركا مقسمة على طبقات تتحول الولايات إلى مجموعة "أميركات" تتعايش وتتنافر في إطار دولة واحدة.

السؤال الآن كيف ستتصرف الولايات المتحدة بشأن سياستها الدولية بعد أن كشف "كاترينا" الغطاء عن تجربة ليست نموذجية وربما غير صالحة للتصدير؟

المراهنة على التغيير السريع مسألة غير واردة الآن. فسياسة التمدد الخارجي التي تتبعها واشنطن لن تتوقف قبل ان تصل إلى مداها الزمني - الجغرافي. وهذه السياسة هي نتاج تكوين العلاقات الداخلية التي تقود عادة الدول الكبرى إلى التوسع الافقي لنهب الثروات بغية تغذية الحاجات الداخلية وتلبية متطلباتها التي لا حدود لها. فالولايات المتحدة لو كانت دولة مكتفية ذاتيا لما احتاجت إلى اجتياح العالم لتلبية المتطلبات الداخلية وسد الثغرات الناتجة عن نمو نزعة الاستهلاك التي استنزفت ثرواتها وتطمع إلى استنزاف ثروات الآخرين.

التوسع الخارجي هو نتاج تأزم تلك العلاقات الداخلية ونهوض هويات محلية متفاوته في درجاتها الاجتماعية. وهذا يعني أن الولايات المتحدة غير قادرة الآن وبالسرعة المتوقعة على الاستدارة والخروج من تورطها العالمي لمصلحة الانتباه إلى تلك الثغرات "الفتحات" التي أخذت تنخر القلعة من الداخل.

المسألة طويلة وهذه طبيعة الاجتماع "العمران" في الدول الكبرى أو تلك الدول التي تريد قيادة العالم مدعية انها تحمل رسالة خاصة للبشرية.

في العام 1802 اضطر نابليون بونابرت إلى بيع لويزيانا وثلاث ولايات لأميركا لتمويل حروبه في أوروبا. وبعد نابليون تراجعت فرنسا وأصبحت بريطانيا الدولة الأولى في العالم... وبعدها جاء دور الولايات المتحدة.

إعصار "كاترينا" كشف ضعف الدولة الأميركية داخليا قياسا بقوتها الخارجية وعضلاتها العسكرية. وهذا الأمر ليس جديدا فقد مرت به بريطانيا سابقا ومر به أيضا بونابرت قبل بوش بأكثر من قرنين من الزمن. فهل تعيد الولايات المتحدة تكرار تجربة من سبقها من دول أوروبا؟ هذا الأمر ليس مستبعدا.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1096 - الإثنين 05 سبتمبر 2005م الموافق 01 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً