العدد 1095 - الأحد 04 سبتمبر 2005م الموافق 30 رجب 1426هـ

غضب "كاترينا"

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

إعصار "كاترينا" الذي اجتاح ولاية لويزيانا واغرق 80 في المئة من مدينة نيواورلينز بدأ يتحول إلى أزمة سياسية داخلية بسبب موجة الانتقادات التي طاولت إدارة البيت الأبيض متهمة الرئيس جورج بوش بالاهمال والتقصير.

الأزمة الآن في مطلعها ويحتمل أن تتطور لاحقا حين تنكشف الكثير من الأمور ومنها ما يتعلق بالتمييز العنصري وأزمة الوقود والخسائر المالية التي تكبدتها المنطقة المنكوبة. المعلومات حتى الآن شحيحة وما تسرب منها يكفي لزعزعة الثقة التي كان يتمتع بها بوش في أوساط رجال المال والأعمال وأصحاب الاحتكارات النفطية ومؤسسات التصنيع العسكري.

الأزمة ليست بسيطة وهي موجودة منذ زمن وتراكمت في عهد بوش نظرا لانشغال إدارته بالسياسة الخارجية وتركيزها على المخاطر الأمنية وتوظيف الأموال في قطاعات لها مصلحة في توسيع دائرة الحروب على حساب الحاجات الداخلية من تأمينات صحية واجتماعية وتربوية.

الآن وبعد الغضب الذي اثارته "كاترينا" في عاصفتها الطبيعية يرجح أن تنتقل الأزمة من الطبيعة إلى الاجتماع... ومن الاجتماع إلى السياسة الداخلية التي اعتمدها الحزب الجمهوري في السنوات الخمس الماضية.

ما أصاب لويزيانا يفوق الوصف ويمكن توقع حصوله في دول فقيرة ومغلوبة على أمرها... إما أن تحصل الكارثة في بلد يعتد بقوته وتفوقه ويتوعد شعوب العالم ويوزع النصائح والإرشادات ويدعي أنه صاحب "رسالة إنسانية" وانه يريد تصدير نموذجه إلى "الشرق الأوسط الكبير" بوصفه الحل الأخير "والسحري" لكل المشكلات المتصلة بالفساد والتمييز والاهمال والاضطهاد وعدم احترام حقوق الأقليات، فهذا هو محور النقاش الدائر الآن في الولايات الجنوبية من أميركا.

النقاش الآن تخطى الكارثة والمناطق المنكوبة ليدخل في سياق آخر له صلة بالتمييز العنصري والتفرقة بين السكان البيض والفئات الملونة التي تشكل غالبية سكان نيواورلينز. فهذه المدينة تاريخية بناها الإسبان وأخذها الفرنسيون واضطر نابليون بونابرت إلى بيعها للولايات المتحدة هي وثلاث ولايات أخرى بسبب حاجته للمال لتمويل حروبه البونابرتية في أوروبا. وبسبب موقع المدينة على الساحل تحولت إلى ملجأ للأقليات الهاربة من اضطهاد الشمال "الافارقة" أو النازحة من مناطق أميركا الجنوبية "اللاتينية". فالمدينة مزدحمة بأصحاب البشرة الملونة "السمراء والسوداء" وبسبب لونها الداكن تعرضت للاهمال والتمييز والتفرقة واعتبرت تقليديا خارج القانون وحسابات الإدارة وموازناتها المركزية "الفيديرالية". فالولاية فقيرة ولأنها كذلك بحثت عن موقع خاص لها في خريطة الاقتصاد الأميركي فلجأت إلى الموسيقى والمهرجانات الفنية واستقطبت بذلك شهرة لدى قطاعات الفن والرسم والموسيقى إضافة إلى السينما وما تمثله من اهتمامات متنوعة.

هذه الميزة لم تسعف لويزيانا وابقت نيواورلينز تحت خط الفقر. فالمدينة التي اشتهرت بموقعها السياحي - الفني كانت تكتظ بجيوش العاطلين عن العمل والباحثين عن العيش المحترم وسط ولايات تنعم بالبحبوحة وتلقى الاهتمام الكافي من السلطات المركزية. هذه النعمة لم تحصل عليها لويزيانا لأسباب كثيرة منها الإدارات الفاسدة والاهمال والتفرقة العنصرية والتمييز بين الألوان التي يتشكل منها المجتمع الأميركي.

بقي الحال على حاله إلى أن جاء غضب "كاترينا" فعصف بالولاية والمدينة وكشف الغطاء عن تلك الفضائح التي يعرف الإعلام الأميركي كيف يتحايل عليها ويعيد تقديمها في سياق مخادع لا يتصل بواقع الأمر والحقيقة المرة.

في سبعينات القرن الماضي صدر للفيلسوف الأميركي هربرت ماركوز كتابه المميز "الإنسان ذو البعد الواحد" وصف فيه القلعة الأميركية وصعوبة اختراقها من الخارج إلا أنه أكد وجود خلل داخلي ينخر القلعة في شبكة علاقاتها القائمة على التمييز والتفرقة بين ألوان المجتمع الواحد. آنذاك توقع ماركوز أن تنخر "الأقليات الملونة" جدران القلعة وتفتح من داخلها ثغرات تفسح المجال للخارج باقتحامها وتقويضها.

الآن بعد العاصفة ظهرت تلك الدولة الكبرى "القلعة" دويلة صغيرة وعاجزة عن مواجهة غضب "كاترينا". فهذه الدولة التي تملك كل الإمكانات والقدرات وتعطي لنفسها الحق بالتدخل في شئون العالم وتقويض دوله وتغيير قوانينه وهدم "السيادة" و"الاستقلال" غير قادرة على السيطرة على أزماتها الداخلية أو تكييف قواها لمنع وقوع الكوارث الطبيعة على رغم علمها باحتمال حصول إعصار قبل أيام من حدوث المصيبة التي خلفت منطقة منكوبة تقدر خسائرها بأكثر من 100 مليار دولار وضحاياها بأكثر من 10 آلاف قتيل و100 ألف مشرد

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1095 - الأحد 04 سبتمبر 2005م الموافق 30 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً