البعض يكتب عن "الوفاق" بحثا عن العفريت بأحكام مسبقة جاهزة. فـ "الوفاق" كسيحة وإن طارت على طريقة "عنزة وإن طارت"... هناك من فتح النار عليها فلم يترك في جسدها موقعا إلا وأصابه وبأسلوب لا يخلو من تعميم، ترمى "الوفاق" بحجارة كثيرة كل صباح بأنها طائفية... خائنة... عميلة وحشية... وديناصور سياسي يحمل دماغا أنانيا أعطي نصف الساحة السياسية فراح يسأل عن النصف الآخر... البعض راح يحلبها ليل نهار، ثم إذا تبدلت الظروف راح يوزع عليها القبل ويحلم بقضاء ليلة دافئة في عسل سياسي ولو على ساحل مهدد بتسونامي أو كاترينا كما يقولون.
بعض وجد في "الوفاق" رئة يتنفس من خلالها ومكانا ملائما لتنفيس البخار وكفى... ماذا بعد البخار؟ لا يهم، لهذا احترقت برامج وضاعت أجندة واكتشفنا في ساعة حزن أن الأبخرة ربما تصيب كل الدار وتحرق الأولاد، ويأتي السؤال جنائزيا: ثم ماذا؟!
بعض المغمورين في الساحة البحرينية، وبعض هؤلاء لم يكونوا محسوبين أصلا على التيار الإسلامي. فجأة وبقدرة قادر تحول بعضهم إلى طرزان عصره - وبالقانون - يريد أن يلوي عنق "الوفاق" إلى مزيدات ربما تقودها إلى الموت أو الغرق، تماما كما هي قصتنا في كل مفصل تاريخي يخرج علينا بطل كارتوني شبعان ليطالب "فتى السلندر" بتفجير الوضع على إيقاع عاطفي "يستهبل" طهارة الشباب "وبورك شاب حمل السلندر"... ثم ماذا؟ لا شيء... فلولا تدخل العقلاء في ذلك الوقت لوقعنا في مأزق سياسي، وهكذا هو قدر الحركة... التي يبدأها الأغنياء ويكون وقودها الفقراء الذين هم أقل حظوة ساعة توزيع الغنائم كما حدث في .2001
ما أضحكني وأنا أرى مهازل السياسة البحرينية، أن يخرج شباب صغار للتو "فقسو" من البيض السياسي ليزايدوا على الشيخ علي سلمان وبقية الأعضاء. أنا لا أدعو إلى الوثنية السياسية أو عبادة الأشخاص، وأنا من دعاة إذابة الشحوم المتكدسة على مفاصل وعينا السياسي المليء بالأوهام والخرافات، ولكن في الوقت ذاته يجب أن نحترم أدب الحوار وألا نضع شخصا مثل الشيخ علي سلمان في خانة "المتراجعين" و"الانبطاحيين..."، ومثلها من ألفاظ أضاعتنا 4 سنوات... مشروعات مشت، وقوانين سنت، ونحن مازلنا نخون أي صوت طاهر يدعو إلى العقلنة والحوار والدخول في التجربة.
هناك من ينتقد الشيخ، ولا عيب في ذلك مادام نقدا موضوعيا وعلميا، فكلنا نردد "لا خير فيكم إن لم تقولوا ولا خير فينا إن لم تقولوها". النقد ظاهرة صحية ولكن يجب أن نفرق بين النقد والتجريح... بين ثقافة الإقصاء وثقافة التخوين.
شاب مطمور في إحدى القرى ينوي ترشيح نفسه في الانتخابات البلدية، راح يهمس لأحد أقاربه: سأرفع الصوت عاليا معززا لمقاطعة الانتخابات البرلمانية لأربح الأصوات في الانتخابات البلدية، هكذا وبلا مقدمات! وهناك - كي نكون دقيقين في التوصيف - ممن قاطعوا أو دعوا إلى المقاطعة كانوا من الغيورين على المجتمع وقلبهم على "الوفاق". لهم حرية إبداء رأيهم، ولأصحاب الاجتهادات الأخرى حق إبداء آرائهم أيضا، ولتتم دراسة كلا الخيارين بلغة قائمة على الأرقام والواقعية، ولقد رشقت بالحجارة طيلة 4 أعوام لأني طالبت بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية وأنا مستعد لأن أرشق 4 سنوات إضافية مادام ذلك سيصب في خدمة الوطن والمجتمع والأجيال القادمة... ولست الوحيد الذي دعا إلى المشاركة، هناك أعداد كبيرة في "الوفاق" حاولت إقناع الجمعية العمومية بالدخول، لكنهم لم يفلحوا.
اعطوهم فرصة المشاركة 4 سنوات بعد أن جربتم 4 سنوات من المقاطعة... هذه الأصوات مخلصة أيضا، قلبها على الوطن وعلى "الوفاق" أيضا... هؤلاء أيضا يحبونكم ويحبون الخير لكم... اسمعوا وجهات النظر الأخرى، إذا لم تدخلوا ضمن قانون الجمعيات ستقع كارثة الابتعاد عن الساحة... بعد المقاطعة رحنا نشاهد الساحة السياسية والملعب السياسي ونحن على مقاعد المتفرجين، وإذا لم تدخلوا ضمن القانون ستشاهدون الملعب من شاشة التلفاز، والخوف كل الخوف من انقطاع الكهرباء السياسية، فلا ترون الملعب ولا اللاعبين لا من المنصات ولا من التلفاز.
أحترم كل الآراء التي تنادي بعدم قبول "الوفاق" لقانون الجمعيات وتريد حل الجمعية، لكنني أقول لهم بكل ديمقراطية إن رأيهم غير صائب، وسيكون خطأ استراتيجيا، كما كانت مقاطعة البرلمان خطأ استراتيجيا. وأقول للذين أحبهم، لكنني أختلف معهم إن الموقف الصائب ليس المقاطعة أو حل "الوفاق"، ويجب أن نصارح الجماهير - وإن زعلوا من المصارحة - بأن البرلمان لو دخلته "الوفاق" لن يتحول إلى برلمان ذهبي، والمقعد لن يتحول إلى عصا سحرية تحول البحرين إلى جنة أفلاطون. البرلمان سيحل بعض الأمور، فالحياة تحكمها مراكز القوى السياسية والاقتصادية والثقافية.
لم أأله "الوفاق" يوما، ولا أدعو إلى تصنيم "الوفاق"، بل إن المتابع لمقالاتي ومواقفي يجد أنها دائما ما تركز على إيجابيات "الوفاق" ونقد سلبياتها نقدا علميا، وهذا مبدأ فكري أؤمن به: إن كل حركة، كل جمعية، كل سلطة، كل دولة يجب أن نشجع إيجابياتها وننتقد أخطاءها نقدا لا يخرجنا عن نطاق النقد والحوار الحضاري. فلنتحمل زعل الصديق، فالطعنات هي الوجه الآخر للقبلات.
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1094 - السبت 03 سبتمبر 2005م الموافق 29 رجب 1426هـ