يكفي أنك تتزوج وتلد وتتكاثر لتصبح عرضة للبغضاء ومن ثم الكراهية وتاليا الطرد أو الإبعاد إن لم يكن القتل والإبادة الجماعية. .. وتظل على رغم ذلك كله أنت المتهم وأنت الجاني. وقاتلك هو الضحية. لماذا؟ فقط لأنك عربي... حتى لو كان اسمك ميشال... ذلك أن قاتلك هو عزرا أو موشي أو يعالون أو...
هذه هي حال العرب الفلسطينيين، فيما بات يعرف بمناطق ما وراء الخط الأخضر، أي الجزء الأول مما اغتصب من فلسطين في العام .1948
فقد نقلت وكالات الأنباء قبل أيام بأن اللجنة الوزارية التابعة لحكومة أرييل شارون رفضت اعتبار الشهداء الفلسطينيين الأربعة من "بلدة شفاعمرو الفلسطينية"، والذين سقطوا ضحية عملية الجريمة الإرهابية التي قام بها مجند إسرائيلي من "جيش الدفاع". رفضت اعتبارهم ضحايا عمل عدائي وبالتالي رفض تعويض أهاليهم بأي شيء أسوة بما يحصل للذين يسقطون "ضحايا" عمليات المقاومة الفلسطينية من اليهود على رغم كونهم يحملون الجنسية الإسرائيلية مثلهم مثل نظرائهم اليهود لماذا؟ لأن المجند الصهيوني لا ينتمي إلى كيان معاد ولا يحمل هوية معادية كما يقول التقرير الإسرائيلي الوزاري، أي انه لا ينتمي إلى العرب بصلة وبهذا تكون الحكومة الإسرائيلية ليست فقط برأت المجند الصهيوني من الجريمة، بل وأعطت الضوء الأخضر لقتل العرب الفلسطينيين بالجملة في أراضي الـ 48 فقط، وفقط لأنهم عرب ولأن دمهم ليس يهوديا!
إن حادث الاعتداء على أربعة من المدنيين العزل من مواطني "إسرائيل" بطريقة وحشية وهم يركبون حافلة نقل الركاب، يصبح وبقرار حكومي إسرائيلي رفيع المستوى هكذا وبكل دم بارد حادثا مبررا ومفهوما، بل ويتم تشجيعه على المستويين الشعبي والحكومي. تلك الدولة "المثال" و"النموذج" للديمقراطية والحرية ونمط العيش الحضاري والمدني! فقط وفقط لأن هؤلاء المواطنين عرب، ولأن الجاني من غير العرب وبالتالي فهو لا ينتمي إلى كيان عدائي أو لا يحمل هوية عدائية.
هذا فيما يعاقب الفدائي الفلسطيني المدافع عن حقه المسلوب والمنهوب في وضح النهار لمشاركته في أعمال مقاومة ضد المحتل والغاصب لأرضه وحقوقه، بماذا؟ بهدم بيته وتشريد عياله وتجريف أرضه وحرق مزارعه وحرمانه من أبسط الحقوق المدنية ومطاردة كل من يسانده أو يرعاه أو يدافع عن شعاراته أو حتى يتفهم أسباب كفاحه حتى لو كان عمدة لندن عاصمة الحضارة والمدنية والديمقراطية العريقة، بل ويتهم باللاسامية ويحال إلى مجلس تأديبي كما ورد في الأخبار.
إنها مفارقة يجب أن يندى لها جبين الإنسانية، إنها مفارقة يجب أن تشيع بعدها أنظمة الحرية والديمقراطية والتقدم والإنسانية في العالم أجمع، وتدفن في ليل حالك مظلم يخجل من سوادها الظلام.
اللافت في هذا الأمر هو أن التحقيقات التي أجريت على هامش وق4وع هذه الجريمة الارهابية من الدرجة الأولى اثبتت ان أكثر من 60 في المئة من أفراد المجتمع الاسرائيلي الحر والمتمدن! يشجع بل ويطالب بطرد الفلسطينيين العرب من أراضي الـ 48 ويتفهم قتلهم من قبل المستوطنين والمجندين بحجة كونهم قنبلة ديموغرافية خطرة على مستقبل الدولة العبرية النقية.
يا سلام على نازية هتلر وفاشية موسوليني واستبدادية ستالين.
وعلى رغم ذلك ترى من لايزال يستغرب ويعجب من عمق الاصرار الفلسطيني والعربي والمسلم وتمسكه الشديد بحقه في الكفاح والممانعة والمقاومة، بل ويتهمنا بأننا نكره القيم والأفكار ونمط العيش المتقدم والمتمدن للغرب والعالم الغربي الحر، فنقدم على أعمال إرهابية للتعبير عن كراهيتنا تلك.
غريب هذا العالم غير المنصف وغير العادل. والأغرب منه هو عندما يتحمس بعض من أبناء جلدتنا واتباع ديننا الحنيف ويتبرعون نيابة عن أولئك المتسامحين ببيع دماء العرب والمسلمين في مزاد التمييز العنصري البغيض، فيهاجمون كل ما هو عربي وكل ما هو مسلم ممانع ومقاوم بحجة أنه "الإرهابي" الأخطر وربما الوحيد في قاموس أدبيات العصر الإسرائيلي الجديد.
نعم، من يسكت على جريمة شفا عمرو ويتفهمها باعتبارها جزءا من عمليات "جيش الدفاع" الردعية، قبل حلول موعد انفجار القنبلة الديموغرافية سيتفهم بالتأكيد عمليات قتل المدنيين العزل في القائم وتلعفر الجارية هذه الأيام من قبل أنواع الطائرات الأميركية التي تحتل سماء العراق، وكذلك مجزرة جسر الأئمة في الكاظمية وقبلها مجازر الفلوجة والنجف، ناهيك عن قتل أكثر من مئة ألف مدني عراقي ربما لأنهم كانوا الحاجز البشري الذي كان يخفي أسلحة الدمار الشامل العراقية الحقيقية وليس تلك التي لفقتها المخابرات الأميركية وأذنابها من المتعاونين معها أو المنتفعين.
ثمة من بدأ يشكك فعلا في مدى صدقية هذا "الغرب" الحر الديمقراطي الداعم لنازية "إسرائيل" وفاشيتها في كل شيء. وإلا كيف نفهم ممارسة أعلى الضغوط من أجل إطلاق قاتل رشيد كرامي وهو الملطخة يداه بدماء كل الطوائف اللبنانية مجتمعة ناهيك عن مجزرة صبرا وشاتيلا.
ثم ألا يستحق العراق كله لجنة تحقيق دولية مستقلة واحدة لمعرفة قتلة الشهيد السيدمحمدباقر الصدر أو السيدمحمدباقر الحكيم أو أطفال ونساء العراق من النجف والفلوجة إلى جسر الأئمة في الكاظمية.
هذا ناهيك عن القتل اليومي المنظم لأهل فلسطين الشرفاء الصابرين على الضيم والظلم والأذى والإجحاف والتمييز العنصري البغيض ضدهم حتى لو حملوا هويات إسرائيلية. ثم إلى أين آلت لجنة التحقيق الدولية التي شكلت على خلفية مجازر جنين التي يندى لها الجبين العالمي.
لماذا يبدو رخيصا إلى هذه الدرجة الدم العربي ومستباحا إلا إذا كان تابعا أو مرتبطا بمشروع دولي استعماري أو استثماري أو جزءا من مشروع لترتيبات أمنية مشبوهة؟
هكذا بكل بساطة أصبحنا وليمة قتل غرائزية يومية في مختبر المشروعات الاستعمارية الكبرى وعلى رغم ذلك فنحن الإرهابيون ونحن الجناة وهم الضحايا فقط وفقط لأن دمهم "غير عدائي" بينما دمنا "عدائي" بالفطرة والغريزة فقط وفقط لأننا الضعفاء وهم الأقوياء بقوة السلاح والاحتلال والعدوان واختلال موازين القوى لصالحهم. أليس كذلك
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1094 - السبت 03 سبتمبر 2005م الموافق 29 رجب 1426هـ