العدد 1094 - السبت 03 سبتمبر 2005م الموافق 29 رجب 1426هـ

نرفض الارتهان للخارج ونرفض الفتن

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

لاتزال القضية الفلسطينية في دائرة الاهتزاز على الصعيد الأمني والسياسي، فالصراع في داخل "الليكود" بين شارون ونتنياهو قائم على أساس التنافس بينهما، أيهما الذي يصادر الأرض الفلسطينية أكثر ويضغط على الشعب الفلسطيني كوسيلة لإلغاء مشروع الدولة الفلسطينية، الأمر الذي يوحي بأن هناك عملا يستهدف إقفال الملف الفلسطيني عند النقطة التي يريدها اليهود بقيادة "الليكود"، ولاسيما من قبل شارون، في عملية تأكيد تفكيك البنية التحتية لفصائل الانتفاضة بالقوة من قبل السلطة، تحت تأثير معالجة ما يسمونه الإرهاب، ما قد يؤدي الى فتنة داخلية، مع الحديث عن فقدان الشريك الفلسطيني لاستبعاد مفاوضات الحل النهائي وإرباك مسألة الانسحاب من غزة، بإثارة الجدل وتمييع الموقف حول المعابر على مستوى البر والبحر والجو، بالإضافة الى توسعة المستوطنات واستكمال الجدار العنصري الذي يجتاح الضفة الغربية ومعها القدس.

أما أميركا، فلاتزال تتحدث عن "شجاعة" شارون بالانسحاب من مستوطنات غزة، ولكنها تهمل مسألة الانسحاب من الضفة الغربية والقدس وإلغاء الجدار وتنفيذها خريطة الطريق إلا بالشروط الإسرائيلية، من خلال موعظة الرئيس الأميركي المتكررة عن "الحقائق الساطعة على الأرض" في واقع المستوطنات الكبرى في الضفة، والتي هي باعترافه تمنع قيام الدولة الفلسطينية.

إن أميركا ومعها اللجنة الرباعية الدولية تخضع للاستراتيجية الإسرائيلية، لأنها لا تملك الضغط على "إسرائيل" التي تعطي الانطباع بأنها تحكم الغرب كله وتخضع سياسته في المنطقة لسياستها، حتى أن أميركا تطوف العالم العربي والإسلامي للضغط على دوله للاعتراف بإسرائيل، لأن ذلك هو الذي يطور علاقاتها بها، وقد أعلنت باكستان اعترافها بـ "إسرائيل" والتخطيط لعلاقات دبلوماسية معها بموافقة دول عربية وإسلامية بما فيها السلطة الفلسطينية ووساطة تركية، كما أعلن وزير حرب "إسرائيل" أن الدول العربية بجمعها "تعترف بالدولة العبرية سرا".

إننا نرى في ذلك كله تشجيعا لـ "إسرائيل" على الاستمرار بالضغط على الشعب الفلسطيني واستكمال حصارها لـه، وممارسة اعتقال شبابه وقتل مجاهديه، لأن الدول العربية والإسلامية لا تريد الاعتراض عليها لأن أميركا التي تسيطر على العالمين العربي والإسلامي، تأمر الجميع بالخضوع للدولة العبرية في قيادتها للشرق الأوسط بالاشتراك مع أميركا في سياستها وأمنها، على أساس التحالف المخابراتي بين الموساد والسي. آي. ايه.

إننا نريد للفلسطينيين أن ينتبهوا الى خطورة ما يجري، وألا ينساقوا وراء أوهام قد يزرعها بعض العرب ممن يرتبطون بـ "إسرائيل" أو باللعبة الأميركية، من دون أن يحصلوا على أي قدر من الاحترام منهما، لأن "إسرائيل" وأميركا تحتقران العالم العربي والإسلامي اللذين سقطا تحت سيطرتهما بالضربة القاضية، ونريد للشعوب العربية والإسلامية ألا تغفل عن القضية الفلسطينية التي إذا سقطت فلن يبقى لها أي عزة أو كرامة أو مستقبل كبير.

أما في العراق، فإن شبح الموت يخيم في كل مكان حتى في المواكب الدينية، وخصوصا ما حدث في مناسبة زيارة المؤمنين لمقام الإمام موسى الكاظم "ع" في الكاظمية، من المجزرة التي حصدت المئات في موقع الجسر بالتدافع الجماهيري، بفعل الإشاعة الوحشية أو بقصف الزائرين، ما جعل المسألة في حجم الكارثة إذ سقطت أجساد الطفولة البريئة الى جانب النساء والكهول والشيوخ والشباب، في مشهد جنائزي يعيدنا الى ذاكرة التاريخ بكل مآسيه ومظالمه.

إننا في الوقت الذي نواجه فيه كل هذه المأساة الدامية الفظيعة بالألم والاستنكار، ونستمطر الرحمة للضحايا ونعزي أهاليهم، وندعو الله تعالى بالشفاء للجرحى، نرى أن الاحتلال هو الذي يتحمل المسئولية عن ذلك كله، لأنه هو الذي أدخل العراق في هذا المناخ الأمني الذي أدى الى الفوضى الأمنية المتعددة الأبعاد والأهداف والوسائل والاتجاهات، بالإضافة الى استراتيجيته في إرباك المنطقة كلها بما يسميه بالفوضى البناءة للوصول الى مشاريعه الاستكبارية ومصالحه الاستراتيجية، في الوقت الذي يوزع فيه تهديداته واتهاماته لإيران، كتلك التي أطلقها الرئيس شيراك في الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا في الخارج، والذي هدد فيه إيران باللجوء الى مجلس الأمن لفرض العقوبات عليها "إذا لم تعد الى التزاماتها بتعليق النشاطات المتعلقة بالمواد الانشطارية، وفقا لما يطالب به اتفاق باريس"، لأن الغرب لا يريد لإيران أن تملك الاستقلال بالخبرة العلمية التي تبني اقتصادها بشكل فاعل... وإلى جانب ذلك فإن أميركا وفرنسا تهددان سوريا بعقوبات وشيكة عليها بداعي حصولهما على قرائن قاطعة بأنها تملك أسلحة بيولوجية، أو باتهامها باغتيال الرئيس الحريري، مما اعتدناه من الاتهامات المخابراتية لدول المنطقة، مع السكوت عن كل أسلحة الدمار الشامل لدى إسرائيل، وعن كل جرائمها الوحشية للمنطقة كلها.

إننا ندعو العراقيين - أمام هذه المآسي والكوارث - الى التوحد حول هدف واحد يتمثل بإخراج المحتل، والعمل لبناء عراق موحد جديد بعيد عن أشكال التقسيم بعناوينه القديمة والمستحدثة، وأن يصار الى اعتماد مسودة دستور يراعي حقوق الجميع بعيدا عن الاستغراق في الجوانب الطائفية والعرقية، ووصولا الى العمل بروحية الإسلام الجامعة الشاملة التي تحتضن الأديان والأعراق كلها، لأن ذلك هو الذي ينقذ العراق والأمة معه قبل أن تفقد الأمة توازنها في الساحات الأخرى بين ما هو وحش الاحتلال وما هو وحش الفوضى الداهمة على كل المستويات.

أما لبنان، فإننا نستذكر غياب شخصية قيادية رائدة منفتحة على الخير كله، والحق كله، والأمة كلها، وهي شخصية السيد موسى الصدر الذي كانت جريمة إخفائه جريمة في مستوى العصر، من دون أن نجد هناك اهتماما دوليا بالضغط على الدولة التي تتحمل المسئولية كلها في ذلك، وربما في اغتياله، وقد كانت أهمية هذا الحدث الجريمة أن ينطلق في المطالبة بلجنة تحقيق دولية، ولكن قواعد اللعبة اللبنانية والعربية والدولية أهملت القضية في بعدها المتنوع، واكتفت بالإعلام الاحتفالي من دون أية مسئولية واقعية... إننا نطالب بإعادة هذه القضية الى دائرة الضوء، بالتحرك الجاد لكشف النقاب عنها، وتحميل المسئولية القائمين على هذه الجريمة الكبرى.

ومن جانب آخر، فإننا نريد للبنانيين الغارقين في أجواء التهويل والتخويف والإرباك الأمني والسياسي أمام بعض الخطوات الأمنية والتفاعلات السياسية في دائرة التقرير والاهتزازات الداخلية والإشاعات التي يتداولها الناس مما يثيره المخططون للفتنة، إننا نريد لهم جميعا أن يكونوا الواعين لكل ما يثار في ساحاتهم من موضوعات وما يطرح من قضايا، لأننا في الوقت الذي نريد فيه جميعا أن تبرز الحقيقة واضحة بكل معطياتها وخلفياتها وامتداداتها، نؤكد ضرورة عدم استباق الأمور وعدم السير في طريق التأويلات والتحليلات التي قد تفتح النوافذ للفتنة من حيث تأتي الرياح الدولية والإقليمية التي نزعم بأن ثمة أطرافا دولية تستغل الواقع اللبناني لإثارته في الاتجاه الذي يعزز مصالحها في المنطقة.

إننا نريد - وسط هذه الأجواء - للدولة ألا تغفل عن واجباتها الأخرى، وبخاصة في الأمور الاقتصادية والأمنية والحياتية بشكل عام، لأننا نريد للعدالة أن تشمل كل خطط الدولة في كل قضايا الشعب، ولاسيما كشف الحقيقة في الذين قادوا البلد الى جهنم المديونية، أو الذين سرقوا وأهدروا وجعلوا الطريق سهلا أمام الوصايات الخارجية، ثم جاءوا ليضعوا اللبنانيين أمام خيارين: الارتهان للخارج أو انتظار فتنة تأكل الأخضر واليابس.

أيها المسئولون، لقد جئتم لحل مشكلة الإنسان في لبنان بالحلول الواقعية العادلة، فلا تكرروا التجربة لتكونوا - كما كان الذين من قبلكم - مشكلة لبنان

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1094 - السبت 03 سبتمبر 2005م الموافق 29 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً