محاولات كثيرة تستهدف اليوم تلك الصبابة الذهبية المتبقية في كأس الوحدة بين السنة والشيعة، ولن أقول الصبابة بل نصف الكأس. .. محاولات جادة ودائمة لخلق فتنة طائفية... كل يوم تتجلى بصورة والاعلام يسعى دائما إلى النفخ في الأبواق ما يساعد على تضخيم هذا الايقاع النشاز. وعلى رغم الوجع والألم فإنه يأبى دائما أهل الشيمة والإنسانية الا ان يقدموا صورا تدعو إلى الحب والوحدة واللقاء... في الوقت الذي بقيت فيه غالبية القنوات العربية تعزف على مقولات "سني، شيعي"... "تفرقة"... "حرب أهلية..." بعد حادث جسر الأئمة "ع" الدامي. شاهدت قناتين تعرضان مشهدا مؤثرا، ففي أثناء تدافع الناس، وسقوط البعض هنا وهناك من فوق الجسر في صورة إنسانية حزينة مفجعة انتشر أهالي الأعظمية السنية في كل مكان لإنقاد الموقف وانقاد اخوانهم الشيعة... صورة مبكية تقدم لنا حقيقة الناس الطيبين الذين لم تلوثهم السياسة ولا المصالح الضيقة... بعضهم ألقى بنفسه من فوق الجسر لنجدة النساء والأطفال الذين سقطوا... البعض الآخر راح ينقل المصابين الى المستشفى والبعض إلى بيوتهم وفتحت بيوت الأعظمية لاستقبال الجرحى والشهداء.
وسأذكر هنا حادثة تراجيدية حصلت لشهيد من الشهداء الذين استشهدوا في ذلك اليوم الحزين وهو الشهيد عثمان عبدالعزيز ذو العشرين عاما تقريبا... هذا الشهيد له مقدرة فائقة في السباحة وله بسطة في الجسم والإنسانية أيضا. عندما وجد زوار مرقد الإمام الكاظم "ع" يتساقطون من فوق الجسر الى النهر هربا من الموت... ألقى بنفسه في النهر وأنقذ نساء وأطفالا. يقول والده وهو يبكي "في اللحظات الأخيرة حاول انقاذ امرأة وهو يحاول انقاذها وهي تغالب الغرق انهارت قوى ابني فغرق هو الآخر..." ويعقب "هذا هو ابني الوحيد وليس عندي الا هذا الابن... لكن أنا فخور به لأنه راح ينقذ....".
دمعت عيناي وأنا أشاهد هذه الصورة المختلطة بالمأساة وقلت في نفسي: هذه هي الصورة الحقيقية لنا كمسلمين، الرهان على الاخيار من كل الأطراف... ان ننصف اضاءات بعضنا بعضا... الوحدة ليست بالمؤتمرات ولا بالكلام العسلي وانما بخطوات عملية والتاريخ لم يركز على المقاطع التاريخية للعلاقة بين الوسطيين من الطوائف المتنوعة من أصحاب العقل والضمير... لا يركز الا على المتطرفين. والقناتان ذاتهما طرحتا مقابلات لأفراد من الطائفتين يشهدون لمواقف الاعظمية في نجدة اخوانهم وقد ذكر الناطق باسم الحكومة ليث كبه في مؤتمر صحافي الموقف الانساني لأهالي منطقة الاعظمية السنية عندما ساعدوا المصابين والجرحى وانقاذ الأرواح". ان هذا الموقف الحزين يذكرني بالوقف الانساني الكبير لحادثة الطائرة التي سقطت في مياه البحرين قبل اعوام عندما فزع أهالي البحرين من كل مكان لنجدة اخوانهم وراح كل بحريني يواسي الآخر والدموع تلون المشهد الحزين فتلاقت المحرق بالمنامة وسترة بالرفاع كل واحدة تكفكف دمع الأخرى.
هام البحرينيون على وجوههم، هذا يبحث عن وردة قطفت من الحقل وذاك يحتظن شلوا يذكره بحبيب، لست أطرح شعرا ولكنها الحقيقة هذه هي الصورة الجميلة للحب والمودة بعيدا عن الشرنقات. أعلم ان السياسة تريد ان تلوث وتسمم كل العلاقات لكن على رغم ذلك يوجد عقلاء ووطنيون هم الرهان.
رحم الله شهداء الكاظمية وأسكنهم فسيح جناته ورحم الله الشهيد عثمان فروحه الطاهرة كانت رسالة واضحة للجميع بأن لبيت الوحدة الاسلامية ربا يحميه.
ومشت تقسمنا يد مسمومة متسنن هذا وذا متشيع
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1093 - الجمعة 02 سبتمبر 2005م الموافق 28 رجب 1426هـ