تقدم هبة الشيخ "باحثة في الشئون الايرانية" حقائق في الجغرافيا والتاريخ وما تعرض له إقليم عربستان من "تفريس" وطمس للهوية العربية على مختلف الصعد، في مؤسسات الحكم المحلي العربي الذي تم استبداله بحكم العسكر وإحلال الثكنات العسكرية، أو من خلال "تفريس" مختلف المؤسسات الأهلية واضمحلال الهوية العربية. مراجع الباحثة في ذلك مؤلفات عدة منها: موسى سيادت "تاريخ خوزستان أز دوره افشارية تا دوره معاصر" أي "تاريخ خوزستان منذ العهد الافشاري إلى الآن" وكتاب أحمد كسروي "تاريخ بانصد سال خوزستان" أي "تاريخ خوزستان في خمسمئة عام" وكذلك ما ذهب إليه الدكتور جمال زكريا في كتابه "الخليج العربي - دراسة لتاريخ الإمارات العربية" عن عربستان كواحدة من الإمارات العربية في الخليج العربي. وتتناول الباحثة بالعناية والدرس المجموعات المقاومة في الإقليم مستندة على "أدبيات حزب السعادة في العام 1946م ومنظمة الجماهير الثورية الأحوازية، حركة التحرير الوطني الأحوازي، الاتحاد العام لطلبة وشباب الأحواز، المجلس الوطني الأحوازي والجبهة العربية لتحرير الأحواز، وهي منظمات ومجموعات ثورية تأثرت بحركات التحرر العربية التي تكونت قبل وبعد ثورة الضباط الأحرار في مصر".
ومن موارد أخرى، تعزز ما ذهبت إليه الباحثة، فإن الرحالة الانجليزي "استوكلر" ذكر ما كان لدى بني كعب "في عربستان" من قوة عسكرية أعدت لصد هجمات الدول الطامعة في امارتهم وشاهد المدافع المنصوبة، وعدد الجيش العربي الكعبي الذي بلغ تعداده خمسة عشر ألفا من المشاة وسبعة آلاف فارس. والمؤرخ البرتغالي "بيدرو تاسكيرا" زار شط العرب سنة 1604م ووجد أن جميع من في المنطقة الواقعة إلى شرق شط العرب كانت تؤلف إمارة عربية يحكمها مبارك بن عبدالمطلب وكانت هذه الامارة مستقلة عن الفرس والاتراك الذين يحكمون العراق.
تقدم الباحثة الشيخ مقدمة عن عروبة الأقليم وأصول ساكنيه وموقعه الجغرافي فالأحواز "عربستان" إقليم عربي - يقع على السواحل الشرقية للخليج العربي - وإن كاد يسقط من الذاكرة العربية. وعروبته لم تكن وليدة ظرف تاريخي معين بل ترجع في أصولها إلى الفترة "العيلامية" التي كانت أول حضارة نشأت في هذه البقعة بعد حضارة بلاد الرافدين بنحو مئتي سنة. وفيه استقرت قبائل عربية جاءت في هجرات متتالية قبل الإسلام وبعده.
أصل التسمية
اطلق على إقليم عربستان عدة تسميات: "الأحواز والأهواز وعربستان وخوزستان". الأحواز هي جمع لكلمة "حوز"، وهي مصدر للفعل "حاز"، بمعنى الحيازة والتملك، وهي تستخدم للدلالة على الأرض التي اتخذها فرد وبين حدودها وامتلكها. و"الحوز" كلمة متداولة بين أبناء الأحواز فمثلا يقولون هذا حوز فلان، أي هذه الأرض معلومة الحدود ويمتلكها فلان. وعند الفتح الإسلامي لفارس أطلق العرب على الإقليم كله لفظة "الأحواز"، وأطلقوا على العاصمة سوق الأحواز للتفريق بينهما. وكلمة الأهواز هي نفسها الأحواز، هكذا ينطقها الفرس؛ لأن اللسان الفارسي عند نطق "الحاء" يقلبها إلى "هاء". على رغم هذا وذاك فإن أصل التسمية الحالية يفضح أي زيف أو محاولة لتغيير هوية الإقليم، إذ إن كلمة "عربستان" تعني "إقليم العرب"، فكلمة "إستان" تعني بالفارسية "القطر" أو "الإقليم". ومهما اختلفت الآراء، وتدلل الباحثة الشيخ بأصل التسمية على انه "اعتراف من الفرس أنفسهم بعروبة هذه المنطقة وعدم تبعيتها لدولتهم"... وهكذا منطق الأشياء.
الجغرافيا والتاريخ
كثرة من الحقائق يمكن الاستناد عليها لإثبات عروبة إقليم الأحواز منها التاريخية والجغرافية، إذ ان "التاريخ الجيولوجي لأراضي كل من الأحواز والسهل الرسوبي من العراق متماثل، إذ تكونا من ترسبات نهري دجلة والفرات ونهر كارون وتفرعاته؛ وهو ما أدى إلى ظهور الأراضي على جانبي شط العرب، وكونت بذلك مع سهول بلاد العراق وحدة قائمة بذاتها لها خواص مناخية متشابهة. ويؤكد أن العلاقات المكانية الطبيعية التي تربط بين عربستان وإيران تكاد تكون معدومة؛ إذ ليست هناك أية علاقة في التكوين الطبيعي بين سهل عربستان وهضبة إيران الجبلية". ومن مرجع آخر تنقل ما يعزز هذا الرأي إذ إن مقاطعة أو إقليم الأهواز في العهد القاجاري 1210 هجريا يتكون من عدة مناطق، وكان لكل منطقة حاكمها المحلي الذي يحكمها، من جملة ذلك مناطق البختياريين تحكم من قبل الزعماء البختياريين، وكان المشعشعيون يحكمون الحويزة وما جاورها، وكان الكعبيون يحكمون جنوب غرب خوزستان حتى بوشهر، أما مدينتا دزفول وشوشتر فكان حكامهما من زعماء قبائل آل كثير العربية. ولم يخضع هؤلاء الحكام في أي يوم من الأيام لإدارة سلطة الدولة المركزية الإيرانية قط. وكانت الأحواز تدار بواسطة نوع من الحكومات المحلية التي تتمتع بالحكم الذاتي التي كانت تعرف بـ "الممالك المحروسة الأحوازية". وتضيف الباحثة إلى ذلك، من مرجع آخر، ما يؤكد ان إمارة عربستان إحدى الإمارات العربية في الخليج العربي "لاشك أن فارس قد استفادت من حكام هذه الإمارة - عربستان - في رد غارات الدولة العثمانية على المقاطعات الفارسية الجنوبية في وقت تردت فيه الدولة إلى مرحلة كبيرة من الضعف. والثابت أن فارس لم تمارس أية سيطرة فعلية على هذه الإمارة التي ظل يحكمها أمراء من العرب كان آخرهم الشيخ خزعل "الذي رفض -قبله - الشيخ جابر قبول العروض الاقتصادية البريطانية المتعلقة بفتح نهر "كارون" قارون للملاحة البريطانية وكان الامراء العرب يرمون من وراء ذلك الاحتفاظ باستقلالهم الذاتي عن الحكومة الفارسية".
واحاطت الحكومة البريطانية الشيخ خزعل علما بأنها على استعداد لمساعدته إذا ما حاولت الحكومة الفارسية بسط سيطرتها المباشرة على بلاده. وفي 1902م بعث اللورد هاردنيك وزير الخارجية البريطانية برسالة مطولة للشيخ خزعل "تعهد له بالحماية واعترف به حاكما على امارته العربية..." النص الأخير نقلا عن الكاتب عبدالله خلف في صحيفة "الوطن" الكويتية 6 مايو/ أيار 2005م.
وعلى رغم محاولات الايرانيين للحيلولة من دون إظهار الروابط المشتركة بين سكان ضفتي شط العرب، فإنهم فشلوا أمام وحدة التاريخ والوحدة الجغرافية وكذلك وحدة اللغة. وهناك الكثير من الكتب التاريخية استخدم كتابها الفرس أو الإيرانيون التسمية الحقيقية للإقليم، وهي "عربستان" مثل: حبيب السير لـ "خواند مير"، وتذكرة شوشتر لـ "القاضي نورالدين شوشتري"، وسفرنامه لـ "نجم الملك"، وغيرها الكثير من المصادر التاريخية وكتب الرحالة.
أما "خوزستان" فهو الاسم الذي أطلقه الفرس على الإقليم وهو يعني بلاد القلاع والحصون تلك التي بناها العرب المسلمون بعد معركة القادسية، وسمي به الإقليم مرة أخرى بعد الاحتلال الفارسي بأمر من رضا شاه العام 1925م.
وعن الخصائص الديموغرافية لسكان الإقليم الذي يبلغ عددهم نحو 8 ملايين نسمة، 99 في المئة منهم عربا، واختلت النسبة فأصبحت 95 في المئة و5 في المئة الباقية من الفرس والقوميات الأخرى، وذلك بفعل تشجيع الحكومة الإيرانية الفرس على الهجرة إلى إقليم الأحواز والاستيطان فيه من جهة، ومن جهة أخرى، تهجير العرب السكان الأصليين منه، لإضفاء الصبغة الفارسية على هذا القطر بهدف طمس هويته العربية. وتعود جذور شعب الأحواز إلى الكثير من القبائل العربية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: حنظلة من قبائل تميم العريقة "بني تميم" و"بني كعب" وهم قبيلة كبيرة ذات عدة فروع ابرزها البوناصر والبوكاسب والدريس والفصار وحزبه ومجدم والمحيسن وبنو طرف وهم من طي وبنوسعيد وبنوخالد وهم افخاذ وعشائر تفرعت القبائل العربية كربيعة وكنانة والأوس والخزرج. و"بني طرف" وقبائل "آل سيد نعمة" و"آل كثير" التي أعلن رئيسها الشيخ عداد بن فارس استقلاله بعد ازدياد التدخل الإيراني في الإقليم. ويسكن الإقليم أقليات دينية عربية مثل الصابئة والمسيحيين واليهود.
ومعظم عرب الأحواز يعتنقون المذهب الشيعي ويتحدثون باللهجة العربية بين النهرية، ويلاحظ أن الكثير من عرب "الأحواز" يقيمون خارج الإقليم، إما في دول الخليج أو في الدول الأوروبية، وذلك لأسباب سياسية أو اقتصادية.
ويتميز عرب الأحواز بتاريخهم الأدبي ومخزون فقهي خاص بهم، إذ صدرت لهم الكثير من الأعمال المميزة بعد الإسلام في هذا المجال. وكانت النهضة الأدبية الثقافية الأحوازية قد بلغت ذروتها إبان حكم المشعشعين والكعبيين نهاية القرن السابع عشر، وخلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
في إقليم الأحواز الكثير من المدن القديمة الجذور، العريقة في الحضارة والتي لها ماض تاريخي إلى جانب المدن الجديدة التي نشأت في الفترة الحديثة لعوامل متعددة منها تجارية ومنها سياسية. ومن أهم مدن الإقليم: "الأحواز" وهي العاصمة، والمحمرة، وعبادان، والحويزة، وتستر أو شوشتر، ومدينة السوس، والفلاحية ومسجد سليمان وغيرها.
بعد الحرب العالمية الاولى وخروج الدولة العثمانية من المعادلة الدولية كطرف قوي ومسيطر على أجزاء من الوطن العربي وبقاع مختلفة، طالب الشعب الاحوازي بحقه في الاستقلال، وفي ذلك الوقت كانت ايران نفسها تحت السيطرة الانجليزية والعراق تحت الحكم العثماني فاتفق الطرفان المستعمران على تغيير خريطة الدولتين فانتزعتا الاحواز من العراق لتندرج في الخريطة الايرانية، وبالمقابل ضمت أربيل والسليمانية الى الخريطة العراقية... وكانت أمنيات الشعب الاحوازي ان تكون له امارة مستقلة كباقي إمارات الخليج. ولقد واجه هذا الشعب اضطهادا من الحكومات الإيرانية كما واجه التفرقة من العراق، إيران تستصغرهم كعرب والعراق على مستوى العامة ينظرون اليهم كعجم والخصم الآخر الذي واجه الشعب هو الجهل مع الفقر، فلم تمد العراق لهم يد العناية الصحية ولا العلمية ولم تقم مدرسة واحدة لانقاذهم من الأمية.
وبعد أن التقت الإرادتان العثمانية والفارسية على طاولة المفاوضات في المؤتمر الأول في العام 1844م والذي تواصل عقده حتى توقيع المعاهدات بين الدولتين في مؤتمر "أرض روم" في
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1091 - الأربعاء 31 أغسطس 2005م الموافق 26 رجب 1426هـ