التحذيرات التي وجهها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في لقائه مع صحيفة "الرأي العام" الكويتية قبل أسبوع، من المخطط الذي يراد للعراق أن ينجر اليه، تنطلق من قراءة عميقة لمجمل ملفات المنطقة، ويظل الملف العراقي أقرب في شواهده والعلامات الدالة على انفلاته الى الملف اللبناني قبيل التوصل الى اتفاق الطائف الذي وضع حدا للحرب الأهلية الطاحنة التي أودت بمؤسساته وبنيته وكوادره، وكان مقدرا للبنان وقتها أن ينقسم على نفسه إلى دويلات تبعا لتقسيماته الطائفية والمذهبية.
القائمون على المخطط الأميركي، بمباركة من القوى اليمينية العراقية، سيعمدون الى خلط الأوراق في طريق ذلك المخطط، ولن ينسوا بطبيعة الحال ممارسة التلويح بورقة الإرهاب الذي يعصف بمدنه ويحصد أبناءه، بحيث صار الموت هو النص الأكثر قراءة وتداولا في ثقافة العراق الراهنة.
اندفاع خط عريض في الساحة العراقية الى مخطط الفيدرالية - الذي تم التنبؤ به قبل أن تحط قوات الاحتلال الأميركي رحالها في بغداد - يضعه أمام استحقاق ومسئولية تاريخية ستكون بلاشك باهظة التكاليف، خصوصا مع المخطط الكبير الذي تسعى اليه الولايات المتحدة في اعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وهو مخطط لم يعد جديدا كما تصر أميركا في أدبياتها على حضوره والتأكيد عليه.
في مقال أخير له في صحيفة "نيويورك تايمز"، أفرد توماس فريدمان مساحة كبيرة منه تناول فيه ما بعد الفيدرالية التي كان أحد المطالبين بضرورة قيامها، مشيرا الى ان الانطلاق في مشروع الفيدرالية في العراق خطوة لازمة وملحة في طريق "فدرلة" عدد من دول المنطقة، على رغم أنه لم يسم دولا بعينها، ولكن المقال كان يرشح ويدل على دول بعينها، منها المملكة العربية السعودية وبروز دويلات للأقليات في المنطقة لن تكون مصر وسورية وإيران وبعض الدول على مبعدة منها.
كان مجرد التعاطي السهل وما يظن أنه واقعي وكأنه ضرورة سياسية بل وجغرافية مع حق الأكراد في اقامة حكم فيدرالي، كخطوة أولى لقيام الدولة يفتح الأبواب على مصراعيها لقيام دول مماثلة لهم في المنطقة، خصوصا مع وجودهم في كل من سورية وإيران، علاوة على تركيا، والتي ارتضت بواقع حال الحكم الذاتي المتاخم لها، ما يفتح الاحتمالات - ومن دون أن تخفي تركيا قلقها - أمام تصاعد الروح القومية الكردية في الداخل، خصوصا مع الاستحقاقات التي يطالب بها الاتحاد الأوروبي لانضمام تركيا الى عضويته، فيما إيران هي الأخرى ينوء كاهلها بملف الأقليات لديها، ليس ملف العرب على اختلاف طوائفهم أولها، ولن يكون آخرها ملف الأكراد، يضاف الى ذلك سورية التي ستجد نفسها إزاء أكثر من ملف ومخطط يدبر لها خصوصا مع التطورات الإقليمية التي عصفت بالمنطقة، بدءا من اغتيال الرئيس الحريري، مرورا باتهامها بالضلوع في تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية في العراق، وليس انتهاء بملف حقوق الإنسان في الداخل، مع التركيز على الأقلية الكردية، كمدخل أول في مخطط التقسيم.
وعلى بعد مئات الأميال تظل مصر هي الأخرى مرشحة، خصوصا مع النشاط الذي تبديه التجمعات القبطية في الولايات المتحدة وكندا، وتبني ملفهم من قبل عدد من أعضاء مجلس النواب والشيوخ الأميركي، والاتهامات المتكررة من قبل بعض الدوائر الأميركية للحكومة المصرية بممارسة صور من التمييز بحق الأقلية القبطية في مصر.
مشروع فدرلة المنطقة ليس ببعيد، مثلما هو مشروع فدرلة العراق الذي بات حقيقة قائمة، سيكون البوابة المؤدية الى جحيم لن يمتلك موهبة الفرز بين الأقليات ومن ثم تقرير من هو الأولى بها صليا!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 1091 - الأربعاء 31 أغسطس 2005م الموافق 26 رجب 1426هـ