العدد 1091 - الأربعاء 31 أغسطس 2005م الموافق 26 رجب 1426هـ

انتصار الحجر على حصانة الحديد

أفهم أن الإرادة كمحرض ليس بالضرورة أن تقرأ موازين القوى على الأرض بذهنية عسكرية، اذ تستطيع أن توجد موازناتها الخاصة بذهنية متزنة في أملها، ولهذا أفهم في الوقت نفسه لماذا ينتصر الحجر على دبابة ثملة بحصانة الحديد.

كل إرادة، توجه نحو مشروع صاعق للواقع، وعلي هنا أن أكون أكثر تحديدا بالقول: إرادة لا تمتثل للبطش بقدر ما تتوجه بكليتها نحو تمثل التمويه والقفز على التهويل الناتج عن صفاقة البطش، وسكرة التمترس وراء آلة تصر على صوغ مفاهيمها الخاصة بالحياة والحرية والعدل، ما يعني النقيض لكل ذلك، هي في الصميم من إدراك إمكاناتها.

بهذا كله، أفهم أن الإرادة استواء واستعداد نفسي لقلب الطاولة على المعادلات التي تخضع لمعايير وشروط الواقع، فيما هي تخلق واقعها وبمعايير وشروط لا تكف عن ضخ مزيد من هواء الحرية، مؤكدة، مصرة، واثقة من وجوب حضورها لتخليص الحياة من سلطة شروط ومعايير الواقع... الواقع الذي كثيرا ما يولد ويشب ويهرم وهو متشبث ومنحاز لبلادة مهلكة! فيما أفهم أيضا، أن الإرادة طريقة، وأسلوب حياة خارجة، متمردة على المزاجي والآني والمؤقت، فيما البطش ضالع في تحركه في الخضوع لكل ذلك.

بالخضوع لشروط ومعايير الواقع، يتكشف الفارق بين أن تنطلق في الحياة صانعا لتلك الشروط والمعايير، وبين أن تتلقاها وتستقبلها مرغما صاغرا، وتقيم حركتك ووجودك ضمن مظلتهما، بحيث يبدو كل ما ينتج ويصدر عنك محض صدى لصوت لا يمثلك وليس من سنخك، وبالتالي لا يمكنك الحديث عن حركة ووجود حقيقيين أنت في اللب منهما.

لا إرادة يمكنها أن تكون مبهرة، مدهشة، وربما صاعقة فيما يصدر عنها، وهي في الوقت نفسه تفتقد الى أدوات قراءة الواقع وسبره، ولا تعني تلك القراءة بالضرورة، الخضوع لما يمليه ذلك الواقع ويلوح به من أسباب القوة والهيمنة، والتفاوت في الموازين الحاضرة، بحيث تتنحى عن المواجهة لمجرد أنها خارج سياق وتصنيف تلك الأدوات، وعلى مبعدة من أسباب تلك القوة والهيمنة، خصوصا وأن خلطا قد يبرز بين الإرادتين، على أن إحداهما لن تكون بمنجاة من العلل والخلل والإضطراب، ما يرشحها لأن تكون أقرب الى الطيش والبطش وربما محاولة الاستحواذ على حركة الحياة والوجود ضمن محيطها أولا، سعيا وراء تجاوزه الى محيط أكبر وضمن دائرة أوسع واشمل.

كل إرادة تكشف عن طبيعة نظر صاحبها الى وجوده ككيان مهم، وبالتالي طبيعة نظره الى الكيانات المتعددة، ويحدد من خلالها الأسلوب والطريقة والمنهج الذي على أساسه ينطلق لتثبيت قيم من العلاقات، أو الخروج عليها، أو على أقل تقدير اتخاذ موقف من الحياد إزاءها.

بهذا المعنى، الإرادة قوة غير منظورة، وما ينتج عنها افصاح عما كان موارى ومغيبا، ومثل ذلك الإفصاح، يسعى للتأكيد أنه ليس كل موارى، أو مغيب، هو برسم العدم.

هل يبدو نظر كالذي نحن بصدده ضربا من الانفصال عن الواقع وشروطه؟ هل هو ضرب من العيش في واقع مفترض متخلص، معافى، خال من كل تلك الشروط؟وبالتالي هل هو توجه متسلح بإمكانات ما لتخليص ذلك الواقع من الشروط والمعايير التي تمسك بخناقه، سعيا وراء تحريره من كل ما يفسد إمكانات العيش والحضور فيه، ومن ثم الإنطلاق نحو مزيد من تراكم عماره؟





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً