مكنت الزيادة الهائلة في أسعار النفط في الأسواق العالمية دول الخليج النفطية من فائض كبير في عائداتها المالية غير ان محللين خليجيين يرون ان هذه العائدات المجزية لم توظف حتى الآن في ضمان استمرار النمو الاقتصادي وتنمية قطاعات لا ترتبط مصيريا بالنفط.
وقدر رئيس مكتب "الشال" للاستشارات الاقتصادية في الكويت جاسم السعدون فائض عائدات النفط في دول مجلس التعاون الخليجي الست هذه السنة بـ 265 مليار دولار باعتبار معدل 50 دولارا لبرميل النفط وصادرات قدرها بـ 14,5 مليون برميل يوميا.
وتمثل هذه العائدات التي رأى المحلل الاقتصادي السعودي احسان بوحليقة انها بنيت على "أرقام متحفظة" ما يعني انها قد تزيد عن ذلك، ضعف ما كانت عليه تقريبا قبل سنتين.
وبقي سعر برميل النفط امس "الاربعاء" فوق 70 دولارا في التعاملات الالكترونية في سنغافورة وتم تبادل الخام الخفيف تسليم أكتوبر/ تشرين الأول بـ 70,45 دولارا عند الساعة 30:07 ت غ. وكان اقفل في نيوريوك الثلثاء عند 69,81 دولارا بعد ان شهد أعلى مستوى له امس الأول ليبلغ 70,85 دولارا للبرميل.
ولاحظ السعدون ان جزءا من عائدات النفط في دول الخليج "سيذهب الى مشروعات البنى التحتية المعطلة منذ زمن في قطاعات الصحة والتعليم والكهرباء والماء وكذلك النفط"، وذلك بالنسبة إلى جميع الدول الخليجية. في حين ستخصص بعض الدول مثل السعودية وسلطنة عمان وجزئيا البحرين نسبة من هذه العائدات "لخفض الدين العام ومحاولة تحسين وضع المالية العامة".
ويقدر الدين العام السعودي بـ 176 مليار دولار وكان العاهل السعودي الملك عبدالله قرر في 22 اغسطس/ آب الجاري تخصيص اكثر من 5 مليارات دولار لتسديد جزء من الدين العام.
وأضاف السعدون ان جزءا آخر من هذه العائدات خصصته بعض الدول وضمنها بالخصوص الكويت والامارات لتنمية الاحتياطات النقدية.
وخصص جانب آخر لما اطلق عليه المحلل الكويتي "شراء الود السياسي من خلال المنح وزيادات الرواتب" في إشارة الى منح وزيادات سجلت في الكويت والسعودية والامارات.
واعلن في الأشهر القليلة الماضية في معظم الدول الخليجية عن مشروعات تنموية وخدمية بمليارات الدولارات كان آخرها ما أعلنته المملكة السعودية من تخصيص أكثر من 20 مليار دولار لمشروعات خدمية وتنموية تمتد على خمس سنوات اقتطعت من فائض المداخيل المتأتي من زيادة أسعار النفط والبالغ 26 مليار دولار.
غير ان السعدون انتقد كيفية تصرف الدول الخليجية في هذه العائدات الكبيرة معتبرا انها وظفتها في ما يعرف "باقتصاد الفقاعة".
واوضح ان هذه الدول "لم تستفد من دروس الماضي وهي ترتكب الأخطاء نفسها من خلال زيادة تنمية القطاع العام الذي يعهد اليه بتنفيذ مشروعات ضخمة في وقت قصير من دون ان يكون لها اثر ايجابي على استمرار نمو الاقتصاد الوطني على المستوى البعيد".
وأضاف ان ذلك "من شأنه ان يعرقل نمو القطاع الخاص بسبب زيادة الكلفة وعدم قدرته على منافسة القطاع العام".
وختم السعدون بتأكيده ان "الناس سعداء بسبب آثار الثروة العابرة واذا لم تستمر الزيادة في أسعار النفط فإن هذه البحبوحة ستزول في غضون ما بين 5 الى 10 سنوات" من دون ان يكون لها أثر اقتصادي دائم.
غير ان ارتفاع فوائض العائدات النفطية لدى دول الخليج لم يؤد فقط الى زيادات في الرواتب والمنح. فقد اعلنت الامارات العربية المتحدة رابع أكبر منتج في أوبك الثلثاء عن رفع سعر البنزين بنسبة 31 في المئة بداية من اليوم "الخميس".
وبرر المسئول النفطي في إمارة أبوظبي جمال ظريف هذه المفارقة بأن "توزيع النفط مستقل تماما عن إنتاجه" وأن شركات التوزيع في الإمارات لا يمكنها الاستمرار في تكبد خسائر ناجمة عن ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية.
وبدا احسان بوحليقة أكثر تفاؤلا من السعدون بإمكان افادة دول الخليج العربية الست من فائض عائدات النفط. واكد انه ليس امام دول الخليج النفطية الا استغلال "الفرصة الذهبية" التي اتاحها ارتفاع أسعار النفط الذي يمثل الدخل الرئيسي لهذه الدول.
وتكون هذه الدول "السعودية والامارات وقطر والكويت والبحرين وسلطنة عمان" مجلس التعاون الخليجي وتنتج مجتمعة نحو 15 مليون برميل نفط يوميا.
ودعا بوحليقة "دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة وكلا منها على حدة الى اطلاق برامج محددة بجداول زمنية لحفز القطاعات غير النفطية التي تضمن نموا عاليا ومستمرا بعد نضوب النفط" معتبرا أن ذلك يمر أساسا عبر "تنمية الموارد البشرية التي لا تنضب والخروج من شرنقة النفط".
العدد 1091 - الأربعاء 31 أغسطس 2005م الموافق 26 رجب 1426هـ