العدد 2421 - الأربعاء 22 أبريل 2009م الموافق 26 ربيع الثاني 1430هـ

السيولة النقدية الترياق المهدئ وليست الدواء الشافي

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في تصريح أثار الكثير من التساؤلات التي انعكست سلبا على سوق الأسهم السعودية، فشاهدنا السهم الأحمر يمعن في انخفاضه مؤكدا تدهور السوق السعودية أكثر من شقيقاتها الخليجية، أعلنت الشركة السعودية للصناعات الأساسية «سابك»، على لسان نائب رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي للشركة محمد الماضي، عن خسائر بلغت 974 مليون ريال (حوالى 300 مليون دولار أميركي)، مقابل صافي أرباح 6.9 مليار ريال (ملياري دولار) للربع الأول من العام الماضي. وأرجعت الشركة ذلك إلى أسباب ثلاثة، من بين أهمها، كما قال الماضي «الانخفاض الناتج عن تقييم الشهرة بمبلغ 1.181 مليار ريال بعد شراء وحدة إنتاج البلاستيك التابعة لشركة جنرال إلكتريك التي غيّرت اسمها إلى البلاستيكيات المبتكرة».

لن نقف عند أسباب «سابك»، فهي واحدة من مجموعة كبيرة أخرى تعاني من الأعراض ذاتها، فليست «سابك» الشركة السعودية الوحيدة التي تعلن عن خسائر ضخمة تعرضت لها خلال الربع الأول من هذا العام، فهناك أيضا شركة التصنيع الوطنية التي أعلنت عن النتائج المالية الأولية للفترة المنتهية في 31/03/2009 ، حيث بلغت صافي الخسارة خلال الربع الأول (25.8) مليون ريال، مقابل صافي ربح (148) مليون ريال للربع المماثل من العام السابق.

كما أنهما (سابك وشركة التصنيع الوطنية) ليستا الشركتين الخليجيتين، فقبل يومين أعلن بنك مسقط عن خسائر تكبدها هو الآخر. بالطبع هناك أيضا بعض الشركات البحرينية، أو التي تتخذ من البحرين مقرا لأنشطتها التي أصابتها الأزمة المالية بسهامها.

وعلى المستوى ذاته، وفي ذات السياق، لايزال إعصار الأزمة المالية العالمية، يضرب بعنف الأسواق العالمية الواحدة تلو الآخر، لايخفف من ضرباته بعض مظاهر التعافي المؤقته والمحدودة التي نشاهدها، بشكل مخادع، في بعض المؤسسسات على نحو إفرادي، أو أسواق المال على نحو جماعي. فمؤخرا أكد صندوق النقد الدولي «أن الأزمة المالية العالمية ستكلف أكثر من أربعة تريليون دولار وأن الأضرار التي لحقت بالنظام المالي العالمي ستستمر لعدة سنوات، حتى مع اتخاذ خطوات طارئة لتخليص النظام المصرفي، نظرا لكون تعافي الاقتصاد العالمي سيكون بطيئا ومؤلما».

ما تقوله تلك التصريحات باختصار أن الأزمة ذات طابع عالمي، على الصعيد الجغرافي، وسوف تستغرق أعواما قادمة على المستوى الزمني، وإنها ذات طابع بنيوي فيما يتعلق بجوهرها والأسباب التي قادت إليها.

الأمر الذي ينبغي لفت النظر إليه عندما يتعلق الأمر بمناقشة الأوضاع الاقتصادية والمالية في منطقة الخليج، في ضوء وتداعيات الأزمة المالية العالمية، هو إصرار الكثير من صناع القرار، وعلى وجه الخصوص تلك الفئة منهم المسئولة عن المؤسسات المالية، هو حصرهم المشكلة في إطار السيولة النقدية، أو بالأحرى شحة السيولة، وأنه متى ما تخلصنا منها، ونجحنا في الحصول على تلك السيولة بتنا في مأمن من هجمات تلك الأزمة، وأصبح في وسعنا أن ننجو من مصائدها ومن ثم مطباتها.

لاأحد ينكر أن هناك أزمة في توافر السيولة المطلوبة، وبالكميات المطلوبة، وعندما تبرز الحاجة لها، أي في الوقت المناسب لها، لكن أزمة السيولة لا تعدو كونها إحدى النتائج التي ولدتها الأزمة، وفي أحيان أخرى أحد أعراضها، دون أن تكون في أي وقت من الأوقات المسببة لها. ومن ثم، فتوافر السيولة النقدية، من جراء الارتفاع الفلكي في أسعار النفط خلال الربع الأخير من العام 2008، في متناول يد المؤسسات الخليجية، لايعني بأي شكل من الأشكال أنهم بمنأى عن الأزمة أو أن تلك السيولة، مهما بلغ حجمها وسرعة دورة الحصول على دفعات متجددة منها، تمنحهم الحصانة ضد أمراض تلك الأزمة.

لكننا، حتى لو افترضنا جدلا، أن السبب وراء تلك الأزمة، لايعدو كونه السيولة النقدية، وأنها متوافرة بشكل متجدد، من جراء بيع النفط والغاز بأسعار مرتفعة نسبيا، بحوزة المؤسسات الخليجية، فمن الطبيعي أن تكون محدودة من حيث أحجام الأموال المتدفقة من الخارج كي تمد المؤسسات الخليجية بالسيولة التي تحتاجها، ليتسنى لها ضخها في اقتصادها ويتمكن بفضل ذلك من أداء مهامه على الوجه المطلوب، كما أنها بالقدر ذاته، قصيرة الأجل بالمعيار الزمني، نظرا لكون مرسل تلك التدفقات من السيولة النقدية، غير قادر على الاستمرار في دفعها بشكل مطلق وعلى نحو مستمر، وبالتالي سيكون مضظرا إلى إيقافها، نظرا لكون اقتصاده الداخلي أكثر حاجة، من غيره لها، ومن ثم لم يعد في وسع ذلك المرسل من خيار آخر سوى إيقافها، وفي أفضل الأحوال تقليص حجومها أو إطالة وتيرة دورة سدادها.

ولعلنا في حالة «سابك» نجد أنفسنا أمام مثال حي على صحة ما نذهب إليه من محدودية السيولة حجما وزمنا، حيث لم يعد في وسع «سابك» أن تستمر في الوصول إلى سقف الأرباح التي نجحت في تحقيقها في الفترة ذاتها من العام الماضي، سواء من جراء العوامل الداخلية أوالخارجية، فالمحصلة كانت شحة في السيولة ولدها التراجع في الأرباح وربما زيادة غير متوقعة في المدفوعات.

من المتوقع أن لا تكون «سابك» الحالة الخليجية الوحيدة والشاذة، فما اضطر «سابك»، ولأسباب كثيرة، إلى الاعتراف بأزمتها، والإفصاح عن إصابتها بفيروس الأزمة المالية العالمية، سينتقل عن طريق العدوى، أو من جراء الأوضاع الذاتية للمؤسسات الخليجية، إلى هذه المؤسسات الخليجية، التي ستجد نفسها هي الأخرى مضطرة إلى كشف الأوراق، ورفع الغطاء عن المستور، والاعتراف بالخسائر التي تعاني منها.

خلاصة القول، إن توفير السيولة المؤقته لايعدو كونه ترياقا يخفف من آلام الأزمة ويهدئ من أوجاعها، لكنه لايمكن أن يكون الدواء الشافي لها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2421 - الأربعاء 22 أبريل 2009م الموافق 26 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً