العدد 2963 - السبت 16 أكتوبر 2010م الموافق 08 ذي القعدة 1431هـ

الخطاب الإسرائيلي في الأمم المتحدة: التحدي والاستجابة ( 1 - 2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

تنهض الأمم وتتقدم عندما تتوافر لها مقومات أربعة: الرؤية والإرادة والكوادر البشرية والقيادة. وهذا ما تحقق لكثير من الدول والأمم عبر العصور، ولعل أحدثها هو ما حدث في الثورة الصينية، ولكن أيضاً في تشيكوسلوفاكيا وانقسامها إلى دولتين بطريقة حضارية بل إن قيام الولايات المتحدة الأمركية وتحررها من الاستعمار البريطاني هو نفسه نموذجاً لتوافر تلك المقومات الأربعة، ولو ذهبنا لأبعد من ذلك نجد انطلاق الإسلام وبناء دولته ينطبق عليه مثل هذا التحليل ثم تدهور الحضارة الإسلامية وتحللها وخضوعها للقوى الأخرى، هو محصلة غياب هذه المقومات وتصارعها.

ولو ألقينا نظرة متفحصة على خطاب وزير الخارجية الإسرائيلي افيجدور ليبرمان في الدورة الخامسة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة فإننا نجد نموذجاً مجسداً لهذا الفكر، وهو ما يجعلنا أن نستعير من المؤرخ البريطاني العالمي المشهور أرنولد توينبي أطروحته عن التحدي والاستجابة. فأطروحات ليبرمان تمثل تحدياً للفلسطينيين والسؤال هل يقبل أو يستطيع الفلسطينيون تقديم الاستجابة الصحيحة للتعامل مع هذا التحدي؟ أم يظلوا في الحلقة المفرغة التي يعيشون فيها وتضيع الفرصة كما ضاعت فرص أخرى عديدة؟

يمكن تلخيص أطروحات ليبرمان في الجمعية العامة:

1 - إن خمسة من اليهود قدموا فكرهم لتغيير العالم، بتركيز كل واحد منهم على مفهوم محدد وواضح سعي لنشره في العالم وهم: موسى ركز على القانون، ويسوع ركز على المحبة، وكارل ماركس ركز على المال وفرويد ركز على الجنس واينشتين ركز على النسبية.

2 - إن الإسرائيليين متحدون - وليسوا منقسمين - حول العمل من أجل السلام، ولكن الاختلاف هو في كيفية تحقيق ذلك.

3 - إن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على نفس الأرض، وينبع من وجود قوميتين وشعبين ودينين ولغتين مختلفتين، ولابد أن يتحقق تعايش واعترف كل منهما بالآخر وأن تقوم الدولتان على أساس قومي على هذه الأرض.

4 - إن حل النزاع يستدعي العودة للجذور، وهو وجود نوعين من المشاكل العاطفية والمشاكل العملية. فالمشاكل ذات الطبيعة العاطفية ترتبط بعدم الثقة العميقة بين الطرفين وبالقدس وباللاجئين وبيهودية الدولة. والمشاكل ذات الصفة العملية تنبع من الاحتكاك المباشر بين الطرفين لوجودهما معاً، والحل الذي يمكن أن يكون مؤقتاً وانتقالياً بعيد المدى قد يخلق الثقة بعد ظهور جيل جديد لا يعتمد على مشاعر التطرف والتحريض، وهذا يعالج الجذور العاطفية. وأما الحل بالنسبة للمشاكل العملية فهو بالانفصال، وإقامة الدولتين، وتحريك الحدود على أساس الكثافة الديموغرافية المتواجدة.

5- إن هناك أطروحات ثلاث سائدة وخاطئة، الأولى: هي أن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني هو سبب الحروب وعدم الاستقرار في المنطقة. وسرد ليبرمان عدة أحداث مثل حرب العراق إيران وحرب الخليج ومذابح سوريا في حماة والصراع بين اللبنانيين وبعضهم وبين اليمنيين في الشمال والجنوب وفي السودان كنماذج لإثبات عدم صحة هذه الأطروحة. والثانية: إن الاحتلال والاستيطان أساس المشكلة ويحول دون قيام دولة فلسطينية. وذكر ليبرمان أن يهودا والسامرة وغزة كانت تحت سيطرة العرب 19 سنة، ولم يتحدث أحد عن دولة فلسطينية، وأقيم السلام مع مصر والأردن رغم وجود الاستيطان في حين عندما انسحب الإسرائيليون من غزة تحولت لسيطرة حماس التي أطلقت صواريخ ضد جنوب إسرائيل ولم يتحقق السلام. الثالثة: إن استمرار المشكلة الفلسطينية يحول دون بلورة جبهة دولية متحدة ضد إيران. فعقب الوزير الإسرائيلي على ذلك بأن الثورة الخمينية لم تقم بسبب المشكلة الفلسطينية وبرنامج التسلح النووي الإيراني ليس له علاقة بالقضية الفلسطينية، واستطرد بأن إيران تستطيع إحباط أية محاولة للسلام باستخدام الجماعات الموالية وأضاف بأن إيران يمكن أن تبقى بدون حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله، ولكن الجماعات الإرهابية لا تستطيع البقاء دون إيران. ومن ثم يجب معالجة مشكلة إيران أولاً.

واختتم مظهراً نفسه كحمامة للسلام بقول النبي أشعيا «ستتحول السيوف إلى محاريث والرماح إلى شجر البرقوق، ولن ترفع الأمم سيفاً ضد بعضها البعض، ولن تتعلم الحرب بعد ذلك».

ومناقشة هادئة وعقلانية لهذا الخطاب نجده يتضمن رسائل واضحة نلخصها كالآتي:

1 - أطروحات ملغومة: مثل الدعوة للفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين وهذه هدفها التخلص من موضوع عودة اللاجئين والقدس، وطرح الفلسطينيين من كثير من المدن في الضفة الغربية لتحقيق الفصل، وربما حصرهم في مكان ما مثل صحراء النقب حيث الأراضي الصحراوية أو دفعهم نحو الأردن لأن الكتل السكانية الفلسطينية كثيفة فهو كلام ملغوم محمل بتفسيرات عديدة.

2 - أطروحات غير صحيحة أو محرفة: بأن الخمسة اليهود بنيت عليهم الحضارة الغربية أو مقولة النبي أشعيا عن السلام، فهذا يعبر عن الأمل، ربما يتحقق في الجنة، ولكن ليس على الأرض، فتاريخ العالم هو تاريخ الصراع.

3 - أطروحات ملتبسة: مثل أن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط ليس مرجعه النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، ولكن حرب العراق إيران، حرب الخليج، مذابح سوريا في حماة، النزاع بين اللبنانيين وبعضهم وبين اليمنيين وبعضهم وبين السودانيين ... إلخ. أو أن السلام أقيم مع مصر والأردن رغم الاستيطان. هذه أطروحات مشوهة وملتبسة، ففي السلام مع مصر لم يترك المصريون أية مستوطنة في سيناء، وكذلك لم تكن هناك مستوطنات في الأردن. الاستيطان في أرض فلسطين ومن ثم معالجة المشكلة الفلسطينية بوقف الاستيطان تماماً والتعامل مع المشكلة لأنها تضيع حقوقهم في أراضيهم.

4 - أطروحات صحيحة: وهي حديثه عن الأمتين والدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، وحديثه عن الثورة الخمينية، أنها قامت ضد النظام السابق وعن البرنامج النووي الإيراني إنه يرتبط بإيران وأمنها ودورها.

5 - أطروحات تاريخية خاطئة عن الشعب اليهودي وارتباطه بالأرض: هي أطروحة خاطئة، فالشعب اليهودي لم يولد في تلك الأراضي كما ذكر ليبرمان بل إن هذه الأرض هي أرض عربية من أيام الكنعانيين واليبوسيين والعموريين، وإنما الدولة اليهودية القديمة ظهرت مع سيدنا داوود وسليمان ثم تقاتل أبناء سليمان، وجاءت الغزوات لتقضي على تلك الدولة وتشتت الشعب. وهنا نجد العبرة للفلسطينيين أن تقاتل الأشقاء يضعفهم ويقوي خصومهم ويغري منافسيهم. مقولة النبي أشعيا عن السلام عندما دخل فلسطين هي تعبير عن الأمل المستقبلي، وليست حقيقة تمت من الناحية التاريخية، بل العكس هو الصحيح، فالصراع هو سنة الحياة ومحرك التاريخ عبر مسيرة البشرية منذ الصراع بين قابيل وهابيل، وبعد ذلك بين الأمم والشعوب. الادعاء بأن العرب غزاة لتلك الأرض مثل البيزنطيين والعثمانيين والمماليك ادعاء خاطئ تاريخياً كما سبق الإشارة

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2963 - السبت 16 أكتوبر 2010م الموافق 08 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً