تُعرَّف مذكرة التفاهم بأنها «وثيقة رسمية تشرح اتفاقا ثنائيا بين طرفين وتقارب بينهما، كما أنها إشارة لبدء العمل بين طرفين أكثر من كونها التزاما قانونيا. أما عن مذكرة التفاهم في الشركات والمؤسسات الحكومية فهي تعتبر المخرج والبديل عن إصدار الاتفاقيات والمعاهدات» (موسوعة ويكيبيديا).
بات من الأهمية بمكان الحديث عن تطوير أداء المؤسسات التعليمية والتدريبية بشيء من الموضوعية والإنصاف، وخصوصا بعد توقيع مذكرة التفاهم بين مركز البحرين للتميُّز وهيئة ضمان جودة التعليم والتدريب في مارس/ آذار الماضي 2009.
إن هذه المذكرة - بحسب ما أكَّد الشيخ حسام بن عيسى آل خليفة (مستشار سمو رئيس الوزراء) ـ تمثِّل أولى خطوات التعاون بين المركز والهيئة لإرساء أفضل الممارسات الخاصة بالتميُّز في الأداء وصولا إلى المعايير الدولية، والتعاون بين المركز والهيئة في كل ما من شأنه رصد النشاطات الأساسية للتعليم والتدريب عبر تقارير مرفوعة إلى السلطة المختصة، فضلا عن نشر مفهوم وصناعة المجتمعات الممارسة للمعرفة، وفي مجال توفير الدعم المعلوماتي المناسب لموارد التعلّم، والتعاون في إعداد الدراسات والمؤتمرات والندوات المعنية بذلك، وفي مجال الاستفادة المتبادلة من المنهجيات المعتمدة لدى كل من الطرفين.
لا يساورنا الشك بأن السعي لترجمة بنود هذه المذكرة إلى واقع ملموس مسئولية مجتمعية، إذ إن تنمية الوعي لدى أفراد المجتمع بأهمية التعليم كونه يشكل أمنا قوميا هو محل اهتمامنا جميعا كبحرينيين حريصين على المضي قدما نحو ما بات يُعرف بالمجتمع المعرفي KNOWLEDGE SOCIETY، من خلال تطبيق الرؤية الاقتصادية لمملكة البحرين للعام 2030، فالتفاعل بين المكونات الثلاثة «المدرسة ـ الأسرة ـ المجتمع المحلي» أمر في غاية الأهمية لإصلاح واقع التعليم، الذي يحتاج إلى مزيد من الانفتاح على الطاقات الشبابية والإنسانية المتميزة.
ثمة إرهاصات لابدَّ منها لتحقِّق هذه المذكرة أهدافها، إذ يتطلب الكشف عن واقع المؤسسات التعليمية والتدريبية بالحقائق والأرقام (FACTS AND FIGURES) قدرا كبيرا من الشفافية في إطلاع الرأي العام على مستوى الأداء فيها، وذلك بعرض النتائج التي تحققت خلال مراحل تنفيذ هذه المذكرة، من خلال وسائل الإعلام المتعددة وتفعيل مبدأ الشراكة المجتمعية باعتبار أن التعليم مستقبل البحرين، كما أن الجهود المبذولة من كلا الطرفين ستكون حتما موضع اهتمام وتقدير المواطن البحريني، الذي يتطلع لمعرفة المزيد عن المؤسسات حديثة الولادة كمركز البحرين للتميُّز وهيئة ضمان جودة التعليم والتدريب وصندوق العمل (تمكين) وما إلى ذلك. فمبادرات إصلاح التعليم أصبحت كثيرة ومتداخلة أحيانا، بل ومتقاطعة أحيانا أخرى، إذ ثمة حلقة مفقودة تحتاج إلى أن تُستكمل حتى ينتظم بها عقد إصلاح التعليم في البحرين.
إن صدقيّة تلك المؤسسات ـ في ضوء كل ما سبق ـ ستكون على المحك، لأنها مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتعريف المواطنين بأهدافها وآليات عملها ومدى استفادة المواطنين منها، لأنها وُجدت أساسا ضمن المبادرة الثلاثية لإصلاح التعليم والتدريب وسوق العمل.
من المؤمَّل أن تُلقي مذكرة التفاهم هذه بظلالها على واقع مؤسساتنا التعليمية والتدريبية، التي تحتاج كثيرا إلى المهارات التي تلبي حاجات المواطنين في القطاعات الحيوية كالصناعة والخدمات، وتحديد المهن والأعمال ذات الأولوية ومستوياتها حسب القطاعات الاقتصادية، وذلك لا يتحقق إلا بتوفير الكفاءات العالية، ومعاييرها للمهن والأعمال المناطة بها، ومن ثم تحويل هذه الكفاءات ومعاييرها إلى برامج ومعايير قابلة للقياس والتقويم المستمر، ونقل البرامج التعليمية الجديدة من المستوى التجريبي إلى المستوى الوطني المتقدم، والتركيز على الحاجات الخاصة للمتدربين بإفساح المجال أمامهم للتحصيل اللاحق، وتحسين شروط العمل للمدرسين والمدربين، وتأمين التغذية الراجعة (FEEDBACK) بشأن التقييم والمراقبة وضبط الجودة والمتابعة.
مُخطئ من يعتقد بأن العملية ستتم بين ليلة وضحاها، لذا نحن بحاجةٍ إلى نفس طويل وثقة متبادلة، فنحن واثقون من الرغبة الصادقة لدى الطرفين المعنيَّيْن بالمذكرة في تطوير أداء المؤسسات التعليمية والتدريبية، غير أن الشجاعة مطلوبة في عملية التقييم وفرز النتائج. أذكر أنني حضرتُ ندوة بجامعة الخليج العربي في يناير/ كانون الثاني الماضي، تحت عنوان «تطوير التعليم وعجز الآليات»، إذ تناولت رئيسة جامعة قطر شيخة المسند تجربة المدارس المستقلة في دولة قطر، كونها تجربة جريئة، وطرحت نوعا جديدا من التعليم من حيث الاستقلالية والمسئولية للمدرسة وللمعلم وإشراك أولياء أمور الطلبة في العملية التعليمية والتربوية لأبنائهم، فهي تجربة سيحكم عليها الزمن من حيث فاعليتها، فالميزان هو رأي المواطنين، إذ تمَّ تجاوز الصورة الضبابية والتردد لدى أولياء الأمور بعد فترة من تطبيق هذه التجربة. فثمة تفهُّم مجتمعي اليوم عن أهمية تلك المدارس وأنماط التدريس فيها، وذلك أمر طبيعي لأي مشروع جديد، لذا وبعد مرور سنة زاد الإقبال على تلك المدارس، وتمَّ تخصيص قائمة طويلة للانتظار.
إننا بحاجة إلى إرادة صادقة، وتخليص مؤسساتنا التعليمية والتدريبية من البيروقراطية والمركزية، فطموحنا أن تعيش هذه المؤسسات في فضاء حر ومنفتح، فالحرية الأكاديمية هي الأساس للوصول إلى أرقى مفاهيم الجودة والإبداع والتميُّز وإنتاج المعرفة بدلا من اجترارها.
يقول جان جاك روسو: «يولدُ الإنسانُ حُرَّا، فإذَا مشَى قيَّدَته الأغْلال».
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 2421 - الأربعاء 22 أبريل 2009م الموافق 26 ربيع الثاني 1430هـ