يصر بندكت أندرسون، على وجود صلة قوية بين التخيُّل القومي والتخيلات الدينية. ويضرب على ذلك مثلا بـ «قبر الماركسي المجهول» أو «ضريح الشهيد الليبرالي»، وبثبات يرجعه أندرسون إلى محاولات تحاشي «الإحساس بالسخف»؛ لأن الماركسية والليبرالية لا يعنيهما كثيرا «الموت أو الخلود».
أندرسون، لا يرى صلة القرابة تلك «تصادفية»، ويقترح في هذا الصدد البدء بـ «تمحيص الجذور» الثقافية للنزعة القومية بدراية الموت؛ مرجعا ذلك إلى اعتباره «آخر درجة» في سلَّم كامل من درجات الهلاك والفناء.
لا يوفر أندرسون فرصة الحديث عن الطابع التصادفي لـ «إرث الجينات»، وكل محاولة لاجتناب ذلك الإرث هو ضرب من الحرث في البحر؛ أو محاولة للقفز على حقيقة الجنس والحياة، وحتى اللغة الأم.
يصرِّح أندرسون بأن جانبا من النظرة العالمية للأديان التقليدية؛ باهتمامها - كما يرى - بموقع الإنسان في الكون، وبالإنسان كجنس، وأيضا «تصادفية الحياة».
ويقر في جانب من قراءته لتلك العالمية بالاستجابة - كما يسميها - «المبدعة والخلاقة»، في طريق التخفيف من العبء الباهظ للمعاناة البشرية.
يعرج أندرسون على الفكر الديني، وإجاباته عن الجوهر الغامض للخلود، ومحاولات الوقوف على الصلة بين الموتى والذين لم يولدوا بعد.
كل تلك الملاحظات التي يثيرها أندرسون، يرجعها في النهاية إلى أن «القرن الثامن عشر في أوروبا الغربية، يسجِّل ليس فقط بزوغ عصر القومية؛ بل عصر أفول أنماط الفكر الديني».
لا يرى أندرسون في قرن التنوير والعلمانية والعقلانية، جلبا لـ «الظلمات الحديثة» فقط؛ بل يرى أنَّ حال الانحسار بالاعتقاد الديني لم توفر تلاشيا للعذاب «الذي شكَّل جزءا من الإيمان».
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 2421 - الأربعاء 22 أبريل 2009م الموافق 26 ربيع الثاني 1430هـ