العدد 2961 - الخميس 14 أكتوبر 2010م الموافق 06 ذي القعدة 1431هـ

الأوبك في عيدها الخمسين بحاجة إلى «طريقي»

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قد يأتي هذا المقال متأخراً بعض الشيء، لكنه تأجيل متعمد. فقد حل اليوبيل الذهبي (خمسون عاماً) لمنظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) في14سبتمبر/ أيلول 2010، أي قبل شهر واحد على وجه التحديد. لكني أرجأت الكتابة عن هذه الموضوع ممنياً النفس بأن أطالع من يشير إلى مؤسس «الأوبك»، العربي الأصل عبدالله بن حمود الطريقي. فباستثناء مقالة يتيمة كتبها المحلل النفطي العربي المخضرم وليد الخدوري، وأخرى وردت فيها إشارة سريعة له، كتبها خالد أحمد عثمان، يصعب الحديث عن مقالة تعترف بالدور الكبير الذي مارسه الطريقي في تأسيس هذه المنظمة، التي يندر العثور على منظمة تنافسها على الموقع الذي تحتله في صياغة العلاقات الدولية، ليست النفطية فحسب، وإنما السياسية أيضا، نظرا للمكانة الخاصة التي يتبوأها النفط في المحافل الدولية. وقد تضاعفت أهمية هذا الدور، نظرا للزيادة المستمرة للطلب العالمي على النفط أولا، والارتفاع الملحوظ في أسعاره ثانياً، وتنوع الصناعات الاستراتيجية المرتبطة به ثالثاً، وثقة أوبك في استمرار احتفاظها بهذا الموقع الدولي في المستقبل المنظور رابعاً.

تكفي الإشارة إلى ما ورد في الدراسة المكثفة المعنونة بـ «العوامل المحددة لتنقيب النفط في السعودية» من إعداد فهد محمد بن جمعة، والتي أورد فيها المؤلف توقعاته لمستقبل النفط بحلول العام 2035، وتعكس تلك النقاط الأربع بشكل جلي، حين قال: «توقعت وكالة الطاقة الدولية أن يرتفع الطلب العالمي 1 في المئة سنوياً من 85 مليون برميل يومياً في 2008 إلى 105 ملايين برميل يومياً بحلول 2030، لكن لاحظ أن السيناريو الآخر يتوقع أن ينمو الطلب 0.2 في المئة سنوياً فقط أي بشكل متباطئ ليستقر عند 89 مليون برميل يومياً في 2030. لكن خلال نفس الفترة سوف يرتفع إنتاج الأوبك من النفط 1.8 في المئة إلى 53.8 مليوناً يومياً، كما توقعته وكالة الطاقة الدولية. هذا يعني أن حصة الأوبك الإنتاجية سوف ترتفع من 44 في المئة في 2008 إلى 52 في المئة من الإنتاج العالمي. كما أن تراجع أسعار النفط من ذروتها عند 147 دولاراً للبرميل في يوليو/ تموز 2008، ثم استقرارها ما بين 70 و80 دولاراً في 2010، أدى إلى تراجع عائدات شركات النفط، لينعكس ذلك سلبياً على الحفر في المياه العميقة ذات التكاليف المرتفعة. لكن توقعت إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن تصل الأسعار إلى 110 دولارات للبرميل في العام 2015م، ثم تستمر في تصاعدها إلى ما بعد العام 2020 لتصل إلى 133 دولاراً للبرميل في 2035».

ما يتناساه الكثير ممن يشيدون بمواقف الأوبك اليوم، ويرون فيها شكلاً من أشكال التحدي الذي يمكن أن تمارسه بعض دول العالم الثالث الصغيرة، في وجه الاحتكارات العالمية أو من يقف وراءها، ويحاول فرض سياساتها المجحفة التي تعكسها الاتفاقيات النفطية بينها وبين الدول المنتجة للنفط، هو دور تلك المجموعة الطليعية من الرجال، وكان في المقدمة منهم عبدالله الطريقي، التي وقفت في مرحلة مبكرة من تاريخ اكتشاف النفط في المنطقة كي تحاول أن تعيد بعض من الأمور إلى نصابها، عندما دعت إلى تشكيل «الأوبك»، في مسعى منها لتكتيل جهود الدول المنتجة كي يتسنى لها الحد من الحيف الذي تلحقه به علاقاتها مع الكارتيلات التي كانت حينها تسيطر سيطرة مطلقة على النفط، وتبدأ بتحديد كميات إنتاجه وفقاً لاحتياجات أسواقها، وتسعيره بما يلبي مصالحها والدول التي تحميها.

حينها، وفي مطلع الستينيات من القرن الماضي، وكرد فعل على أول تخفيضين عرفتهما أسعار النفط (الأول في أبريل/ نيسان 1959، والثاني في أغسطس/ آب 1960) دعا عبدالله الطريقي، وكان حينها أول وزير للنفط السعودي، سوية مع نظيره الفنزويلي بيريز الفونسو إلى تأسيس الأوبك. لبت تلك الدعوة خمسة بلدان هي السعودية وفنزويلا وإيران والعراق والكويت، والتقى وزراؤها في بغداد في الفترة بين 10-14 سبتمبر 1960 كي يقرروا تأسيس الأوبك، وصدرت عن ذلك اللقاء مجموعة من القرارات كان من بين أهمها «1 - أن الأعضاء لا يمكنهم أن يبقوا غير مبالين تجاه الموقف الذي تتبناه شركات النفط في إجراء تغييرات في أسعار النفط، 2 - سيطلب الأعضاء من شركات النفط المحافظة على أسعار ثابتة وبعيدة عن كل تذبذب لا ضرورة له، وسيعملون بكل الوسائل المتيسرة لديهم ليعيدوا الأسعار الحالية إلى المستويات التي كانت سائدة قبل إجراء التخفيضات».

واليوم، وفي ظل ما نشهده من هجمة على الأوبك، لكن من زوايا مختلفة، تذكرنا بذينك التخفيضين، يطل علينا الطريقي بوجهه الجريء داعياً الدول النفطية، تماماً كما جاء في مبادرته في الستينيات من القرن الماضي، أن تتمسك بمسألتين أساسيتين تحددان من خلالهما العلاقات مع الاحتكارات النفطية، والحكومات التي تحميها: الأولى هي تجميد الخلافات الثانوية فيما بينها، وتغلب التناقض الرئيسي بينها وبين تلك الاحتكارات، الثانية هي، وكما فعل الطريقي أيضاً، تغليب المصلحة العامة للدول النفطية مجتمعة على المصالح الذاتية لكل دولة منفردة على حدة. مثل تلك النظرة الشمولية هي التي مكنت الطريقي من لم شمل الدول النفطية رغم الخلافات الناشبة بين دولها عند تأسيس الأوبك، ورغم تضارب مصالحها الوطنية الذاتية مع مصالحها المشتركة.

بقي ان نعرف مسألة أخرى ليست نفطية، عن الطريقي، لكنها تؤكد الجرأة والنظرة الشمولية التي كان يتمتع بهما. تنقل ذلك موسوعة «ويكابيديا» عن المؤرخ روبرت ليسي فتقول إن «الطريقي مر على الملك عبد العزيز في الرياض أثناء رحلته إلى القاهرة، وفي مجلس الملك عبد العزيز، طرح الطريقي مقترحاً بأن تكون مدينة «مكة» منطقة مستقلة تديرها هيئة تمثل المسلمين من أنحاء العالم لتصنع أنموذجاً من الفاتيكان بقالبٍ إسلامي، فكانت تلك علامة جرأة ونبوغ وتصوّر مبكر وقراءة منطقية».

نفتقد الطريقي اليوم، تماماً كما يفتقد البدر في الليلة الظلماء.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2961 - الخميس 14 أكتوبر 2010م الموافق 06 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً