العدد 2961 - الخميس 14 أكتوبر 2010م الموافق 06 ذي القعدة 1431هـ

دور العدالة في التنمية الاقتصادية «مقارنة بين الإسلام والغرب» (1)

علي المحسني open [at] alwasatnews.com

معنى العدالة

تستعمل العدالة في الإسلام في خمسة مجالات:

1 ـ التوازن والتعادل اللذان يتصف بهما العالم، والذي سيفقد بدونه استقراره ونظامه، ولن تبقى هناك ضابطة لتشخيص حركته.

2 ـ مراعاة المساواة وعدم التفرقة. أي مراعاتها في مجال الحقوق، وهي من لوازم العدل.

3 ـ (العدل إعطاء كل ذي حق حقه)، أي رعاية حقوق الإفراد وإعطاء كل ذي حق حقه.

4 ـ (العدل يضع الأمور في مواضعها)، أي مراعاة الاستحقاقات خلال إفاضة الوجود، وعدم الامتناع عن الإفاضة.

5 ـ ولعل التعريف الأخير (العدل يضع الأمور في مواضعها) الوارد عن الإمام علي (ع) هو أفضل التعاريف. وقد ذكر الراغب الأصفهاني بأن معنى (الظلم عند أهل اللغة وكثير من العلماء: وضع الشيء في غير موضعه)، فجعل الظلم في مقابل العدل.

والعدالة بهذا المعنى تشمل العدالة في وضع القوانين، العدالة في الحكم والقضاء، والعدالة في الثواب والعقاب.

وعندما نراجع معاني العدالة المتقدمة نجد هناك ترابطاً وتلازماً بين تلك المعاني أو يوجد بينها عموم وخصوص (باصطلاح أهل المنطق). والخلاصة أنها مجموعة واحدة من القيم.


مفهوم التنمية

هناك تعريفان للتنمية:

1 ـ التنمية بمعناها العام المرادف للتكامل البشري، وهي بهذا المعنى مقبولة ومطلوبة في الإسلام، لأن التنمية والتطور الحقيقي في الإسلام هو تكامل الإنسان وتقربه نحو الله تعالى. فالإنسان بشكل عام والمسلم بشكل خاص يسعى تلقائيا وفطرياً منذ ولادته نحو التكامل، ويحاول بعمله أن ينتقل من موقعه إلى موقع متقدم. يقول الإمام علي (ع): (من تساوى يوماه فهو مغبون).

2 ـ التنمية بالمعنى الأخص، هو ذلك المفهوم الجديد المتطور عن المفهوم القديم، وقد ظهر بمظهر علمي فاعل وممنهج. ويمكن أن نعتبر هذا المفهوم مرادفاً للعلم، والتنمية المقصودة في هذا البحث وفي جميع الدراسات هي ظاهرة غربية جاءت عبر التحولات التي طرأت على الغرب في القرون الأخيرة.

فالملاحظ عند إطلاق مصطلح (التنمية) في الوقت الحاضر هو بعدها الاقتصادي، أو (النمو الكمي للاقتصاد)، كما هو مصطلح مفهوماً.

والمؤشر على حصول التنمية، على وفق ما أطلق عليه (هبرماس) بـ (عقلانية الوسائل) لا يتحدد الا وفق مؤشرات مادية واقتصادية مثل: اجمالي الانتاج، الدخل السنوي، الثروة، الرفاه، الصناعات، سكان المدن، التخصص، حركة التمدن.

والملحوظ في التنمية على وفق النظرة العلمانية هو البعد المادي للإنسان فقط. أما على وفق الرؤية الإسلامية فالإنسان يتكون من بعدين مادي وروحي، والتنمية تشمل كلا البعدين في الإنسان، والغاية القصوى من التنمية هي عبودية الإنسان لله تعالى. وبذلك سيكون الرقي الروحي للإنسان والتكامل في طريق الله هو أحد أهداف الرسالة السماوية، وعليه يجب أن يرافق التقدم المادي لدى الإنسان تكامل روحي ومعنوي.

وبناء على ما تقدم سيكون الاقتصادي في نظر الإسلام وسيلة وأداة وليس غاية أو هدفا بحد ذاته.لان الهدف هو إشباع حاجات الإنسان من خلال النمو والتكامل، خلافا للاقتصاد الغربي الذي يهدف أساساً إلى تراكم الثروة والفوائد الاقتصادية. والنتيجة النهائية في ظل هذه النظرية أن الاقتصاد في خدمة الإنسان وليس الإنسان في خدمة الإنتاج والاقتصاد.

لذا فالإسلام يؤكد في تشريعاته الاستفادة المشروعة من النعم الإلهية في إطار الفضائل والأخلاق الكريمة مع تقوية المبادئ الإسلامية والتقيد بالنظم الإسلامية. كما أكد الإسلام أن الفقر المادي ينتهي بالإنسان إلى الفقر المعنوي والرذائل الأخلاقية والانحطاط الروحي.

إن الإصلاح والتقدم الاقتصادي هو الهدف الثاني للأنبياء، فالقرآن اعتبر الدعوة إلى الله تعالى وتكامل الإنسان في هذا الطريق، الهدف الأول للرسالة الإلهية، بينما اعتبر من جهة أخرى دعوة الأنبياء لإقامة العدل والقسط الهدف الثاني لتلك الرسالة.

وقد اعتبر بعض العلماء البعد النظري للتوحيد هدفا أولاً، بينما اعتبروا البعد العملي هدفا ثانيا ومقدمة لتحقق الهدف الأول. لذا يجوز الاستفادة من الخطط التنموية الغربية في مجال العلاقات الدولية والأيديولوجية المقيدة، لكن بشروط محددة، كمنع تسلط الكافرين على المسلمين: «ولن يجعل الله للكافرين على المسلمين سبيلا»، وان تكون العزة والرفعة للمؤمنين: «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين»، إلا أن فرض هذه الشروط يتوقف على حصول التكامل المادي بمفهومه الجديد وتحقق التنمية في أرجاء البلدان الإسلامية.

إن الدور الكبير والمؤثر للاقتصاد والتقدم العلمي والتكنولوجي في استقلال الدول، يحتم علينا الاستفادة القصوى من النتائج الإيجابية للشعوب والحضارات غير الإسلامية. فالإسلام لم يرغب في ذلك فقط وإنما اعتبره واجبا كفائيا من اجل تحقيق استقلال العلاقات مع الدول الأخرى في المجال الاقتصادي والسياسي والثقافي والعسكري، والتخلص من أي سلطة اقتصادية مفروضة من الخارج تريد استغلال خيراتنا وحرماننا من الحرية في اتخاذ القرارات.

العدد 2961 - الخميس 14 أكتوبر 2010م الموافق 06 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً