يربط الناس أحياناً كثيرة الشرق الأوسط بالنفط. إلا أن الوصول إلى مورد مختلف في مدن المنطقة وبلداتها وقراها ومزارعها قد أصبح مليئاً بالمشاكل، ومنها الماء. لا يشكل التعامل مع هذه المشكلة ضماناً لمستقبل مستدام فحسب ولكنه سيساعد كذلك على إيجاد ظروف لسلام دائم.
هناك نقص في المياه في المنطقة. في الوقت نفسه فإن النفايات الصناعية والبلدية التي تنساب عبر حوض نهر الخليل – بيسور، الذي يجري من الضفة الغربية عبر إقليم النقب في جنوب إسرائيل وباتجاه البحر الأبيض المتوسط، قد تسببت بالضرر للمناطق المحيطة وشكّلت مخاطر صحيّة شديدة لسكان المنطقة وفاقمت حالات التوتر السياسي الحالية. فحتى فترة وجيزة على سبيل المثال، أدى تسرّب المجاري والمياه العادمة المستمر من مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية إلى تلوّث البيئة والحقول الزراعية في قرية فلسطينية مجاورة.
كان نهر الأردن في يوم من الأيام يحمل 1,3 مليار متر مكعب من المياه العذبة إلى البحر الميت سنوياً. انخفض هذا الرقم اليوم إلى 20 - 30 مليون متر مكعب سنوياً نتيجة لتحويل 98 % من مياه النهر من قبل إسرائيل والأردن وسورية لاستخدامات زراعية ومنزلية. ويشكّل شبه انعدام المياه التي تصل إلى البحر الميت، السبب الأكبر لتسارع اختفائه، بالإضافة إلى الاستخراج الواسع للمعادن من مياهه.
وتشكّل هذه الأمثلة على تلوث المياه وضياع الموارد مجرد أحد جوانب أزمة المياه القائمة في الشرق الأوسط. ومما يزيد الطين بلّة أن صانعي السلام على المستويين الوطني والإقليمي مستمرون بإظهار انعدام الإدارة الصحيحة والتخطيط لموارد المياه الأساسية في المنطقة: نهر الأردن والبحر الميت ومكامن المياه الجوفية الساحلية والجبلية، إضافة إلى ذلك، يقف النزاع الإسرائيلي العربي أحياناً عائقاً في طريق تطبيق حلول مناسبة لإدارة المياه المشتركة.
تحتاج المنطقة لأن تتعامل مع المشاكل البيئية وكذلك مع النزاعات المستمرة منذ فترة أطول والتي تعيق حل قضايا المياه.
تأسست منظمة «السلام البيئي/ أصدقاء الأرض في الشرق الأوسط» العام 1994 كمجموعة تحت اسم EcoPeace، وقد نمت اليوم لتصبح منظمة إقليمية فريدة تضم ناشطين بيئيين إسرائيليين وفلسطينيين وأردنيين. وقد نجحت في إنشاء جهود تعاونية عبر الحدود لنشر الوعي والتعامل مع تدهور التراث البيئي المشترك، وإيجاد تفاهم وثقة متبادلين في الوقت نفسه.
ويشكّل مشروع «جيران المياه الجيدة» التابع للمنظمة أحد الأمثلة على البرامج التي تولّد التعاون. ويقوم البرنامج بتوأمة المجتمعات المحلية المتجاورة عبر الحدود الإسرائيلية - الأردنية بحيث تشارك مجتمعات محلية إسرائيلية وفلسطينية أو إسرائيلية وأردنية في موارد مائية للتعامل مع شحّ المياه والتلوث. ويسمح هذا التفاعل للمجتمعات المتجاورة أن تتحد من أجل إعادة التأهيل البيئي وإظهار أهميته ونجاح الإدارة البيئية عبر الحدود.
على سبيل المثال، وفي الفترة بين عامي 2007 - 2009 نجحت المجتمعات المحلية المتشاركة في «صور هداسا» في إسرائيل ووادي فوكين في فلسطين بتقديم عرائض وشن حملات والتهديد بإجراءات قانونية ضد وزارة الدفاع الإسرائيلية لوقف بناء جدار الفصل بين المجتمعين على أساس أن الضرر الذي سيلحق بمصادر المياه المشتركة لا يمكن عكس اتجاهه. وقد قام أفراد هذه المجتمعات بمشاريع أخرى كذلك، مثل تشجيع الإنتاج الزراعي من وادي فوكين في القدس من خلال تعاونية يملكها أحد سكان صور هداسا وتنظيم زيارات متبادلة بين تلاميذ أطفال من الروضة من الإسرائيليين والفلسطينيين ومجموعات أطفال آخرين في جهود لمجابهة انعدام الثقة والتحاملات في سن مبكّر، وهم يقومون الآن بالتخطيط لمتنزه سوف يجري إنشاؤه بين المجتمعين المحليين.
ونادت منظمة أصدقاء الأرض في الشرق الأوسط مؤخراً بتنسيق عبر الحدود بين إسرائيل وفلسطين والأردن لضمان تنمية مستدامة لحوض نهر الأردن والبحر الميت رغم أن البنك الدولي يُجري دراسة مستمرة لمجرى محتمل من البحر الأحمر إلى البحر الميت لتغذية مياه البحر الميت. إلا أن هذا المشروع قد يشكّل مخاطر كبيرة لبيئة البحر الميت الحسّاسة ويغير تركيبته من المعادن وهي تركيبة نادرة. وتنادي المنظمة كذلك بإعادة تأهيل الحوض السفلي لنهر الأردن، الرافد الرئيسي للبحر الميت.
كما قامت المنظمة مؤخراً بتنظيم حدث أسمته «القفزة الكبرى في نهر الأردن الأسفل»، للفت الأنظار إلى الوضع البيئي في حوض نهر الأردن الأسفل. قام رؤساء بلديات وممثلون عنها وشباب من إسرائيل وفلسطين والأردن بقفزة رمزية ذات هدف مشترك هو إعادة تأهيل النهر. ومن الواضح أن الإدارة الضعيفة للمياه سوف تستمر بتهديد مصادر رزق السكان والبيئة في المنطقة ما لم يتم اتخاذ إجراء لتغذية النظام البيئي المشترك من خلال توجه عبر الحدود.
ولكن كما تظهر برامج وأبحاث منظمة أصدقاء الأرض في الشرق الأوسط، يمكن للتعاون عبر الحدود أن يشكّل السبيل إلى الاستدامة البيئية وربما السلام.
- مسئولة تنمية الموارد والإعلام الخارجي في منظمة EcoPeace (أصدقاء الأرض في الشرق الأوسط، الحاصلة مؤخراً على جائزة أوروبا) البحر الأبيض المتوسط Euro-Med للحوار بين الثقافات تقديراً لعملها بتشجيع الحوار بين الثقافات، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2961 - الخميس 14 أكتوبر 2010م الموافق 06 ذي القعدة 1431هـ