من الأشياء التي ترسخت في ذاكرتي عن ندوة أصيلة الفكرية هو ما دار في الجلستين اللتين جلستهما في نقاش طويل مع كل من أحمد الربعي والطيب تيزيني وعبدالعزيز التويجري الأولى في قصر الثقافة والثانية في منزل الوزير محمد بن عيسى. وفي ذهابي للمطار كان معي الطيب تيزيني ورحنا نناقش قضايا كثيرة، فالطيب تيزيني هو أحد أبرز المفكرين السوريين واستاذ في الفلسفة وله كتب فكرية كثيرة منها كتاب يرد فيه على مشروع محمد عابد الجابري صاحب كتب تكوين العقل العربي وبنية العقل العربي والعقل السياسي العربي، الطيب تيزيني سألني عن البحرين وعن الحريات فيها وكان سؤاله مباشرا: في رأيك أيهما أفضل البحرين اليوم أم أمس؟ بمعنى آخر هل هناك تغيرات حصلت؟... قلت له: الحرية في البحرين بعد الانفتاح السياسي أفضل من السابق بكثير... نحن في الصحافة اليوم نمارس دورا رقابيا... وتحدثت له عن جدار المالكية... وعن الموقف الكبير لجلالة الملك في سيادة القانون، وتحدثت معه أيضا عن بعض الموضوعات التي تم التطرق إليها من الفساد في الأوقاف الجعفرية... إلى بعض الظواهر الإيجابية أو السلبية... تعجب كثيرا فقال لي: شيء جميل أن تكون هناك حرية صحافية بهذا المستوى... قلت له: البحرين تتجه نحو الأفضل... نعم توجد تلكؤات... توجد نواقص وهذا أمر طبيعي، لكن نحن سياستنا في الصحافة والإعلام وكمنهج حياة ان الإيجابيات يجب عدم التنكر لها والسلبيات يجب انتقادها من قنواتها القانونية.
وقلت له: لو سألتني عن البحرين لقلت لك: الآن توجد مشروعات عمرانية، توجد مشروعات إسكانية، جمعية البحرين لحقوق الإنسان لها علاقة مع وزارة الداخلية فهي تدخل لمراقبة السجون وتراقب حقوق الإنسان وهذه خطوة يجب ان نشجعها. وقلت له: في الوقت الذي تفيض فيه السجون العربية بالمعتقلين السياسيين، فالبحرين هي البلد الوحيد الذي لا يوجد فيه سجين سياسي واحد.
سألني: لماذا لم تشاركوا في البرلمان؟ فقلت له: إن شاء الله ستتم المشاركة هذا العام. وكلنا أمل ان يشارك الجميع مستقبلا والمعارضة مليئة بالمخلصين الغيورين على الوطن ومن كل الأطياف.
أما المفكر الكويتي أحمد الربعي، فبعد انتهاء إحدى الندوات جلست معه جلسة كاملة تحدثنا فيها عن هموم العالم العربي والشأن البحريني كان حاضرا فسألني الأسئلة ذاتها... فقلت له: أعرف يا أستاذ أحمد ان قلبك على البحرين وعلى تجربة الإصلاح وأننا إذا أصبحنا بعيدين عن مواقع التأثير سنكون غائبين عن الوضع، لكن اعتقد أن المستقبل سيكون مستقبل خير إذا تكاتفنا لأجل البحرين... لأجل ترسيخ الوطنية والولاء للمملكة وهذه الأرض الطيبة. وسألني هل تتوقع الاخوة سيشاركون في الانتخابات... قلت له: لا أعلم، ولكن آمل ذلك ففي المعارضة مخلصون وكثيرون منهم يحملون آفاقا واسعة. في إحدى الامسيات كان الحديث شيقا وكان مع مدير عام المنظمة الإسلامية "الايسيسكو" عبدالعزيز التويجري وأعجبت بمدى الدور الثقافي والتربوي الذي تلعبه المنظمة وحجم المنشورات والكتب التي تقوم بطباعتها. كان من بعض المدعوين للندوة الثقافية رضوان السيد واستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة جورج تاون في واشنطن جون اسبوزيطو وفهمي هويدي وتركي الحمد وعبدالكريم سروش، لكن للأسف لظروف خاصة بعضهم لم يتسن له الحضور وكنت آمل في لقاء سروش وهو استاذ جامعي له كتاب بعنوان: "القبض والبسط في الشريعة" تحدث فيه عن موانع فهم نظرية تكامل المعرفة الدينية وعن تطور المعارف كيفا... وكتابه أثار جدلا واسعا في إيران.
تمنيت لقاءه لمناقشة نظريته، ما لها وما عليها، لكن هو الآخر لم يوفق للمجيء. ذلك الحضور المتميز لبقية المفكرين فتح آفاقا للحوار وخصوصا أطروحات غسان سلامة وخاتمة محمد بن عيسى. ما أريد قوله ان الحريات في البحرين يجب ان تبقى ويجب ان تدعم ويجب ان نمد جسورا من الثقة بالتي هي أحسن وبالخطاب الرزين. عودا على بدء قلت للتيزيني: المشكلة الآن في البحرين هي الوضع الاقتصادي وكل أملنا - وهناك مساع في ذلك - لتمدين الريف وضخ المزيد من المشروعات العمرانية والإسكانية وخصوصا للطبقة الفقيرة من الناس في المدن والقرى مع توظيف العاطلين، فالديمقراطية إذا أمنت الخبز سيعم الاطمئنان، وهذا ما نسعى إليه من صحافة وغيرها. قلت له: ما نفخر به كبحرينيين هو الأمن والأمان... كنا في السابق نلازم منازلنا من السابعة مساء أيام الحوادث. الآن نعيش أمنا... نأتي المطار وكلنا شوق للبحرين من دون خوف... هذه نعمة يجب ان نحافظ عليها. أملي ان ندخل التجربة ونصحح من الداخل بدلا من النظر من النافذة
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1090 - الثلثاء 30 أغسطس 2005م الموافق 25 رجب 1426هـ