في أي سياق يمكن قراءة الإجراءات الأمنية "القانونية" التي اتخذتها الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول ،2001 وما تبعها من إجراءات مشابهة لجأت إليها بريطانيا بعد تفجيرات 7/7 في لندن.
الجهات المعنية تقول إن تلك الإجراءات اضطرت إليها وهي احترازية حتى لا تتكرر مثل تلك الضربات. بينما تختلف أدبيات "القاعدة" في قراءة تلك التراجعات، فهي تضع تلك الإجراءات في سياق سياسي وترى أن الغرب "أوروبا والولايات المتحدة" اتخذ سلسلة تدابير لحماية نفسه خوفا من الاختراق نظرا إلى ضعف جهاز المناعة الذي يستخدمه درءا للمخاطر الخارجية.
وبعيدا عن أدبيات "القاعدة" وما يتفرع عنها من تفسيرات تصدر عن شبكات وهمية أو حقيقية فإن واقع الأمر يدل على أن دول الغرب بشقيها الأوروبي والأميركي اضطرت فعلا إلى اعتماد سياسة أمنية تخالف كثيرا تلك القواعد الدستورية التي تفاخرت بها مقارنة بتلك الدول "الفاشلة". فالإجراءات الأمنية التي لجأت إليها الدول "المتقدمة" أو الناجحة ليست بعيدة عن سياسات تقليدية شكلت قواعد ثابتة لتعامل أنظمة الاستبداد مع شعوبها. فأساس تلك السياسة الأمنية يعتمد فكرة "الشك" في المواطن والتخوف منه وتخويف الناس من سلوكياته.
في هذا المعنى يمكن تفهم تلك التحليلات التي تقول بها أدبيات "القاعدة" حين تقرأ تراجعات دول الغرب ومراجعتها الدائمة لقوانينها واستبدالها بإجراءات أمنية بأنها هزيمة للنموذج البديل بوصفها لا تتفق مع فكرة "الثقة" بالمواطن والاطمئنان إليه وتطمينه من سلوكيات الناس.
واقع الحال إذا يشير إلى وجود متغيرات في طبيعة أنظمة الدول "الناجحة" وهي تتجه رويدا إلى نوع من التشابه "لا التطابق" مع طبيعة أنظمة الدول "الفاشلة". وهذا الواقع المتغير إذا استمر يتدهور من أعلى إلى أدنى فستكون النتائج العامة كارثية على مختلف المستويات... وتحديدا حين تصبح نسبة الاختلاف بين نظام "فاشل" وآخر "ناجح" محدودة. فالتقلص في درجات الاختلاف يعني تضييق الخيارات أمام القوى التي تطمح إلى التطوير والتعديل والتنمية وضمان حرية الإنسان وحقوقه.
المعركة إذا التي خاضتها "القاعدة" كما تقول أجهزة الإنترنت والمخابرات لم تكن حتى الآن لمصلحة الدول الكبرى في اعتبار أن النموذج البديل فشل في مقارعة خصومه المجهولين أو القابعين في جبال "تورا بورا". وحين تبدأ النماذج "البدائل" تتهاوى، فإن احتمالات فشل الدول "الناجحة" تصبح أقوى، لأن الدول الفاشلة "الاستبدادية" غير معنية بنجاحها وإنما ما يعنيها هو منع أصحاب النماذج البديلة من النجاح في معركتها.
هذه المعادلة السلبية تتحمل مسئولية نتائجها الكارثية الدول الكبرى. فهذه الدول حين اتخذت قرارات الحرب أهملت كثيرا مسألة العدالة وأسقطتها من حسابها بذريعة أن "الغاية تبرر الوسيلة". وبما أن واشنطن ادعت أن غايتها "نبيلة" "نشر الديمقراطية وفرض الإصلاح" افترضت ضمنا أن كل الوسائل أصبحت مشروعة حتى لو لجأت إلى أساليب غير شرعية ومخالفة للقوانين الدولية والمواثيق والمعاهدات.
فكرة "الغاية تبرر الوسيلة" كررها الرئيس جورج بوش مرارا في بياناته وتصريحاته معتبرا أن ما يقوم به في أفغانستان والعراق وفلسطين يرتقي إلى مستوى الرسالة الإنسانية وأن التاريخ سيغفر له سلوكياته المشينة حين يسجل في ذاكرته الإنجازات الميدانية التي ستنتشر في طول "الشرق الأوسط الكبير" وعرضه.
فصل الغاية عن الوسيلة وإسقاط فكرة العدل ورفض الانصياع لمبادئ "الحروب العادلة" والبحث عن ذرائع "واهية في معظم الحالات" لتبرير العدوان والغزوات أسس لاحقا لتلك النتائج الكارثية. فالسلبيات الآن بدأت تمتد إلى دول الغرب وأخذت تفرض عليه اتخاذ إجراءات لا تنسجم كثيرا مع تاريخ "النموذج" وطموح واشنطن إلى تصديره وفرضه كخيار وحيد على شعوب "الشرق الأوسط الكبير".
السياق التراجعي الذي وصلت إليه تلك الإجراءات الأمنية "القانونية" بات في مكان قلق ويلتقي في الكثير من حالاته مع تلك القراءات التي أشارت إليها ما يسمى بأدبيات "القاعدة". وهذه بحد ذاتها بداية هزيمة معنوية لمشروع طويل المدى
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1090 - الثلثاء 30 أغسطس 2005م الموافق 25 رجب 1426هـ