العدد 1088 - الأحد 28 أغسطس 2005م الموافق 23 رجب 1426هـ

نظرية الاحتمالات: رسائل ساخرة في الشأن العام

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

قرأت قبل فترة في أحد المنتديات ثلاث مقالات ساخرة عن أم "مصطولة"، وأب "مصطول"، كل منهما بعث برسالة لابنهما، بينما المقالة الثالثة عن "رسوب طالب في مادة التعبير"، وللأسف الشديد أن كاتب هذه المقالات الذي يضاهي محمود السعدني، أو صلاح عيسى، أو العراقي "أبوقاطع" رحمه الله؛ أو ذلك الكاتب الذي لا يحضرني اسمه عندما اختار عنوان لمقالة ساخرة أيضا سطرها على ثمانية أعمدة بـ: "كل النساء جميلات عدا زوجاتنا!"، وهذا الأخير ربما "مزواج مطلاق"، وللتو مطلق زوجته، أو على وشك تطليقها، أو لربما زوجته أمية، وإلا فإن من هذا العنوان وما كتبه عن الزوجات في المقال سيحصل على عركة كبيرة عندما يعود إلى بيته، تماما كما فعلت هيلاري كلينتون بالرئيس الأميركي في الفضيحة الجنسية المعروفة، عندما كانا يبتسمان للكاميرات وكأن شيئا لم يكن، فعلقت زميلة لنا "م. مطر" قائلة: "ما عليكم من ابتسامتهما، فهما يبتسمان أمام الكاميرات فقط... فما أن يصلا إلى البيت الأبيض، إلا والنعل على وجهه!".

أقول للأسف؛ لأن كاتب المقالات الثلاثة كتب اسما مستعارا أطلق على نفسه: "أبوهاجوس مرعب النفوس"، وكم تمنيت أن أعرف اسمه الحقيقي لأهنئه على خفة دمه وإبداعه في فن كتابة المقالة الساخرة الهادفة والكاريكاتورية، من حيث ندرة كتابها في الوطن العربي.

فأبوهاجوس مرعب النفوس، في مقاله "رسوب طالب في مادة التعبير"، يقول هذا أمر غير عادي أن يرسب طالب في مادة سهلة كالتعبير، وعندما سئل المدرس عن سبب رسوبه في المادة قال: "كل موضوع يبدأ فيه إلى نصف سطر ينتهي بصفحات عن الجمل"، وقدم لهم أمثلة وعينات من موضوعاته الكثيرة التي يتغزل فيها بالجمل.

قال المدرس: خذوا على سبيل المثال هذا الموضوع الذي طلبته من الطالب أن يكتب عنه... أكتب عن الصناعات والتقنية في اليابان...

فكتب الطالب: تشتهر اليابان بالكثير من الصناعات ومنها السيارات، ولكن البدو في تنقلاتهم يعتمدون على الجمل، والجمل حيوان بري يصبر على الجوع والعطش أياما ويستطيع المشي على الرمل بكل سهوله ويسر، ويربي البدو الجمل فهو سفينة الصحراء فينقل متاعهم ويساعدهم على الترحال من منطقة إلى أخرى، والجمل حيوان أليف... إلخ.

وأضاف المدرس: وتفضلوا هذا الموضوع لتتأكدوا، هذا موضوع بعيد عن الجمل جدا!

أكتب موضوع عن الحاسب الآلي وفوائده... فكتب الطالب:

الحاسب الآلي جهاز مفيد يكثر في المدن ولا يوجد عند البدو لأن البدو لديهم "الجمل" والجمل حيوان بري يصبر على الجوع والعطش أياما ويستطيع المشي على الرمل بكل سهوله ويسر، ويربي البدو الجمل فهو سفينة الصحراء، فينقل متاعهم ويساعدهم على الترحال من منطقة إلى أخرى، والجمل حيوان أليف... إلخ.

بعد ذلك تقدم الطالب بشكوى إلى الوزير، فطلب الوزير التحقيق في الموضوع! فكتب الطالب في خطاب الشكوى:

سعادة وزير التربية والتعليم،،،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... أما بعد أقدم إلى معاليكم تظلمي هذا، وفيه أشتكي مدرس مادة التعبير لأني صبرت عليه صبر الجمل... والجمل حيوان بري يصبر على الجوع والعطش أياما...

إلى أن ينتهي من رسالته بالقول: "آمل من سعادتكم النظر في تظلمي هذا وظلم المدرس لي مثلما ظلم الجمل".

ومن رسالة أم امحششة إلى ولدها، أقتبس منها بضع سطور من أبوهاجوس يقول فيها: "بني العزيز... أنا بخير هنا وأتمنى أنك تكون بخير هناك... أكتب هذه الرسالة ببطء لأني أعرف أنك لا تستطيع القراءة بسرعة... أختك ولدت اليوم الصبح بس ما بعرف شو جابت ولد ولا بنت... لذلك ما بعرف أنت شو بدك تصير خال أو خاله... عمك خالد وقع في البير وكان فيه رجال حاولوا يسحبونه... لكنه قاومهم بكل شجاعة وغرق... أحرقناه وجلس يحترق ثلاث أيام وما نشف لأنه رطب من الماء...

وقبل أن تنهي الرسالة كتبت له قائلة: أبو أعز أصدقائك يحتضر وطلب من صديقك سلمان أن يدفنه وسط البحر إذا مات... وراح يحفر قبر لأبوه وسط البحر وغرق...

ومن ضمن ما جاء في رسالتها كتبت له: تذكر يوم كنا نحشش سوى وقلت لي أمي أنا بحبك؟ قلت لك وقتها خلي علاقتنا صداقة بس... كانت أيام حلوة...

وفي الختام سجلت الوالدة "المصطولة" هذه الملاحظة: أنا كنت بدي أرسل لك فلوس بس ما تذكرت إلا بعد ما قفلت الرسالــة.

أما المقالة الأخيرة لأبوهاجوس مرعب النفوس؛ ولأنها قصيرة جدا، والمعنونة بـ "رسالة محشش لابنه قبل الاختبارات"، فلا بأس في اقتباسها كاملة، ومن ثم التلميح بلغة "لقمان" تلك اللغة الرمزية اللعينة بحسب تعبير لينين التي استخدمها في مقدمة كتابه "الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" التي كانت القيصرية تضطر جميع الثوريين إلى اللجوء إليها كلما أخذوا القلم لوضع كتاب "علني"، إذ يبدأها أبوهاجوس بـ:

"يا ولدي امتحاناتك قربت وقدامك طريقين: أما تنجح أو ترسب... إذا نجحت خير وبركة، أما إذا رسبت فقدامك طريقين: أما تصيع في الشوارع أو تسجل في العسكرية... إذا صعت ما يخالف، أما إذا دشيت العسكرية فعندك خيارين: أما الشرطة أو الجيش... إذا اخترت الشرطة خير وبركة، أما إذا اخترت الجيش فقدامك خيارين: أما يوزعونك في القوات الاحتياطية على الجبهة... القوات الاحتياطية خير ونعمة، أما إذا حطوك على الجبهة فعندك احتمالين: أما ترد بالسلامة أو تنلعن بقذيفة... إذا رجعت خير وبركة، أما إذا ضربتك قذيفة فقدامك طريقين: أما تشفى أو تموت... إذا شفيت احمد ربك، أما إذا مت فقدامك طريقين: أما تأكلك الكلاب أو تتعفن... إذا أكلتك الكلاب خير وبركة، أما إذا عفنت فقدامك طريقين: أما تتحول غاز طبيعي أو نفط... إذا صرت غاز خير وبركة، وإذا بيكررونك فقدامك طريقين: أما يحولونك زيت "شل" أو مواد تنظيف، إذا صرت زيت خير ونعمة، أما إذا حولوك مواد تنظيف فقدامك طريقين: أما تصير صابون أو تصير ملطف الشعر... وآخرتها في مياه الصرف... لا من شاف و لا من دري".

قبل قراءتي للرسالة الأخيرة لأبوهاجوس مرعب النفوس، كنت أنوي كتابة مقالة عن حزب البعث العربي الاشتراكي بشقيه "الأموي والعباسي" وأنصارهما في الوطن العربي الكبير، لكني عدلت عن ذلك بسبب الضجيج الذي أحدثته ندوة لندن، ووعود صحيفة محلية بنشر وقائعها للقراء في البحرين بعد تحريض فج ضد المشاركين فيها، ثم انتظرنا "الوعد" الذي أخذه على نفسه رئيس تحريرها، فإذا بها "فقاعة وانفجرت"، فصار الأسود أبيض والعكس بالعكس، وإذا بصحيفة أخرى "تتحرى الدقة" في نقل المعلومات تخرج علينا بكذبة من أن اللورد أيفبري حصل على "تعنيف" من طوني بلير بسبب هذه الندوة، فيما صحيفة أخرى اتصلت بالأخير ونفى ذلك جملة وتفصيلا، مؤكدا أن الوزراء لا يتدخلون في هذه المسائل، وقالت صحيفة إن إحدى الحاضرات انسحبت احتجاجا لأن المحاضرين لم "يعلنوا الحقيقة" ولم يسمح لها بالكلام، وهات من "حكي جرائد"، بينما نسى هؤلاء أن العالم أصبح "قرية صغيرة" وأنهم في عصر الاتصالات والمعلوماتية والإنترنت، وأن كل شخص بإمكانه تصفح المنتديات والمواقع، أو يشاهد الفضائيات من دون أن يراقبه أحد ويعرف الحقيقة أو نصفها أو ربعها، أو يصدق يا يصدقه عقله.

شخص آخر ضيع المشيتين، وقال رأيا من حقه أن يقوله ولا أحد يحجر عليه، لكنه كذب المشاركين من البحرين قبل أن يطلع على ما قالوه في تلك الندوة، وهاجم أحد المتحدثين بكلام لم يقله، واعتبر العنف المفرط ضد العاطلين "حق طبيعي" للسلطات في أن تستخدمه ضد مواطنيها، وهذا الرجل للأسف حقوقي يفهم القانون، لكن فهمه على ما يبدو يأتي من "حذائه"، لأن الذين أوسعوا ضربا مفرطا لم يحملوا "سلندر غاز" ولا ملتوف، ولا "بيضة فاسدة ولا طماطية"، ولم نسمع أن الشرطة صادرت بيضة واحدة من المعتصمين الذين أوسعوا ضربا مبرحا أدخلوا على إثره إلى المستشفيات بينهم حالات خطرة، غير أن "البطل القومي" الذي يتزعم جمعية لم يكتمل نصاب مؤتمرها أو جمعيتها العمومية لخمسة وثلاثين شخصا، يضحكنا في كل مرة لما يقوله لغاية في قلب يعقوب.

وكم تمنيت لأبوهاجوس مرعب النفوس أن يكتب عما يجري في البحرين عن نظرية الاحتمالات، لنعرف إلى أين نسير؟ هل نحن نتوجه صوب الديمقراطية، أم نتراجع إلى الحقبة السوداء التي ذقنا منها الأمرين؟ أم نتحدث بلغة "المصطولين"، أم نرسب في مادة التعبير بسبب عقدة "الجمل"؟

* كاتب بحريني

العدد 1088 - الأحد 28 أغسطس 2005م الموافق 23 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً