"البونس"، الزيادات في الرواتب الحكومية، كلها مؤشرات على ارتفاع القوة الشرائية للمواطن البحريني، بحسب ما يبدو على الأقل للوهلة الأولى.
لكن هل تؤدي هذه الزيادات والمكافئات فعلا لزيادة القوة الشرائية للبحريني، ربما بدد هذه الآمال في تحسن وإنعاش الاقتصاد - الذي ينشده التجار بلهفة - الكثير من المنغصات التي طفت في الآونة الأخيرة على السوق الاستهلاكية في المملكة، فارتفاع السلع الاستهلاكية والإنشائية بل حتى أسعار المواصلات والنقل أبقت وضع السوق على حاله وربما زادته سوءا.
ويعتقد البعض أن التجار استغلوا هذه الأموال القليلة التي حصل عليها المواطن في رفع الأسعار من دون مبرر، لكن ربما هذه الاتهامات تحتاج لمزيد من التمحيص والتدقيق، ليس ذلك دفاعا عن التجار وليس ضده بالتأكيد، بل ان هناك عددا من العوامل التي يجب أن نلتفت لها قبل أن نسوق هذه الاتهامات من دون دليل.
صحيح أن هناك فئة من التجار تهدف إلى الربح الكبير وغير المبرر، لكن في المقابل هناك الكثير من التجار الشرفاء الذين يسعون إلى تحقيق أرباح مناسبة ومنطقية، والسوق التي تترنح تحت وطأة ضعف الطلب ومنافسة الشركات الضخمة لصغار التجار، أفسدت كثيرا من البحبوحة التي تعيشها هذه الفئة من المجتمع. فصاغة الذهب وبائعوه كانوا من أكثر الناس حظوة منذ أيام خلت، لكنهم الآن من أتعس الناس وأشقاهم تجاريا، "الوسط" نقلت لنا أخيرا معاناتهم وتخوفاتهم مما أسموه "بطالة التجار" وهو نوع جديد من البطالة ربما يأكل في طبقة اقتصادية تعد من أهم صناع النمو والتطور.
لا أعتقد أن الزيادات الأخيرة والبونس أثار شهية التجار للدرجة التي يتصورها البعض، فارتفاع الأسعار يرجع لأسباب جوهرية تعاني منها كل المنطقة وغالبية التجار براء منها، فوزير التجارة الكويتي الذي خرج للصحافة في الآونة الأخيرة اعترف بذلك وأشار إلى مجمل أسباب منها التعرفة الجمركية وارتفاع أسعار النفط، والأخير يكاد يجمع عليه الكثير من الاقتصاديين كأحد أول المتهمين في ارتفاع الأسعار.
إذا أين المشكلة، عندما نكون لأنفسنا دولا ذات استقلالية اقتصادية نسبية، ربما نكون بمنأى عن هذه المتغيرات الدولية، فحسبة "11" قد لا تكون منطقية عندما لا نعزل أنفسنا عن الاقتصاد الدولي خصوصا كوننا دولا مستوردة أكثر منها مصنعة وتوفر احتياجاتها بأنفسها، فالاعتماد على الاستيراد من الدول الأوروبية والآسيوية وأميركا جعلنا أسرى لمؤثرات تلك السوق، لا يعني ذلك أننا قد نصبح في يوم في غنى عنهم، ولكن يمكن لنا أن تكون لنا كينونة اقتصادية واعتماد ذاتي بنسب معقولة.
وبين كل هذا وذاك، يقع المستهلك والتجار معا ضحية لهذه التطورات، وضحية لسياسات تنموية واقتصادية لم يضع لها الأساس لتكون بناء صلبا في وجه هذه المتغيرات خصوصا أن اقتصادنا صغير وخياراتنا محدودة، فبالتالي من واجب الجميع أن يتريث قبل كيل الاتهامات وأن يزن الموضوع بعقلانية أكبر وبميزان يضع كل المعايير في الاعتبار
إقرأ أيضا لـ "علي الفردان"العدد 1088 - الأحد 28 أغسطس 2005م الموافق 23 رجب 1426هـ