"إسرائيل" لاتزال تمارس إرهابها الوحشي في مصادرة الأراضي الفلسطينية لاستخدامها في بناء سياج متصل بجدار الفصل حول كبرى مستوطنات الضفة الغربية، وربطها بالأحياء اليهودية في القدس الشرقية، وذلك في خطوة تستهدف فصل شمالي الضفة الغربية عن جنوبها، وتغيير التكوين السكاني للقدس. وذلك من خلال استغلال الانسحاب من غزة لتوسيع احتلالها الاستيطاني للضفة، من دون أن يرتفع صوت أميركي أو أوروبي للاحتجاج على ذلك، وللضغط على "إسرائيل"، لأنهم لا يعملون على احترام الإنسان الفلسطيني في حقوقه الإنسانية في أرضه، بل يؤكدون الحق اليهودي في اغتصاب المزيد من الأرض واحتلالها، لأن الغرب لا يؤمن بحقوق الإنسان العربي أو المسلم، بل يرى الحق كله لليهود، مما يوحي بالظلم الغربي في حماية سياسة الاحتلال والاغتصاب ضد العرب والمسلمين.
ومن جانب آخر، فإن "إسرائيل" لاتزال في خطتها الضاغطة على الشعب الفلسطيني تسيطر على المعابر التي يدخل منها الفلسطينيون من خارج غزة، ولاتزال القيود مفروضة على المطار والمرفأ فيها، ليبقى أهالي غزة في حصار دائم في داخل بلدهم من دون أية حرية للتنقل في خارجه. وبالتالي فإن الدولة الفلسطينية التي وعد بها الرئيس بوش لاتزال مجرد وعد لا يملك الرئيس الأميركي أية واقعية لتحقيقه، لأن "إسرائيل" المسيطرة على إدارته لا تسمح لـه بذلك، مستغلة عنوان إزالة "الإرهاب الفلسطيني" بحسب تعبيرها كشرط للمفاوضات ولتحريك خريطة الطريق.
إن أميركا هي المشكلة في مصادرة الحق الفلسطيني، لأن إدارتها التي يحكمها اللوبي الصهيوني والمحافظون الجدد والمتعصبون ضد العرب والمسلمين يخططون وينفذون لسيطرة "إسرائيل" على فلسطين كلها، فلا يبقى للفلسطينيين إلا الأراضي الممزقة المقطعة الأوصال. وهذا مما ينبغي للفلسطينيين أن يعرفوه ليخططوا لانتفاضة جديدة للالتفاف على الخطة الصهيونية في عملية الاستيطان والاغتيال والاعتقال، وإلحاق أكثر أراضي الضفة ومعها القدس بالكيان الصهيوني رسميا، في مباركة أميركية.
إن المطلوب هو الدخول في مرحلة جديدة من مراحل الانتفاضة، لأن التطورات الأمنية والسياسية في فلسطين والمنطقة تعمل على تصفية القضية الفلسطينية والعبث بالأوضاع في داخل فلسطين، لإثارة المزيد من الجدل والخلاف والنزاع، ليبتعد الجميع عن جوهر القضية وامتداداتها وأصالة المستقبل.
أما العراق، فإنه يكتوي بنارين: نار الموت الذي يزرع الحقد الأعمى في كل يوم، في تفجيرات تطاول المدنيين وتظل تلاحقهم في الأسواق والشوارع والمواقع المدنية، إذ لا يمكن للاحتلال أن يختفي خلف دخان هذه النيران من خلال مسئوليته المباشرة وغير المباشرة، لأننا نزعم أنه يعمل لتأجيج نار الفتنة الداخلية ليستفيد منها ويعلن استمرار الحاجة لوجوده.
وعلى العراقيين الانتباه الى خلفيات الاحتلال وامتداداته وخططه التي تعمل على تأكيد مصالحه الاستراتيجية بعيدا عن مصالح الشعب العراقي الذي لايزال يعيش تحت تأثير الفوضى الأمنية وفقدان الخدمات الحيوية الضرورية، ومصادرة ثروته من خلال الشركات الأميركية الاحتكارية التي تسرق أمواله تحت عنوان مشروعات وهمية لا واقع لها، هذا بالإضافة الى أجهزة المخابرات الصهيونية في تحالفها مع المخابرات المركزية الأميركية للعبث بأوضاع العراق، وللتخطيط لإسقاط وحدته بمختلف الوسائل على الصعيد المذهبي والعرقي.
أما النار الأخرى التي يكتوي فيها العراق فهي نار الانقسامات السياسية الداخلية التي تتحرك حول بعض العناوين في صيغة الدستور، ولاسيما في موضوع الفيدرالية التي يكتنفها الغموض بالدرجة التي قد تتحول في بعض الظروف السياسية الى التقسيم أو الانفصال، تحت عنوان حق تقرير المصير الذي طرحه الأكراد وأرادوا إدخاله في الدستور لولا بعض الظروف.
إننا في الوقت الذي نرى في تدخل السفير الأميركي في الشأن العراقي - حتى في كتابة الدستور - جريمة أخرى بحق الشعب العراقي تضاف لجريمته في الاحتلال نريد للجميع أن يركزوا على كيفية سحب البساط من تحت الاحتلال، من خلال الانفتاح على مستقبلهم الوحدوي الذي يتساوى فيه العراقيون في الحقوق والواجبات دون تمييز، وفي التكامل الوطني الذي يلتقي فيه الجميع على تقوية المواقع الاقتصادية والسياسية والأمنية، وان تبقى للعراق هويته الإسلامية في وحدة المسلمين جميعا التي تتواصل فيها مع المحيط العربي والإسلامي، في عملية تعاون بين كل ساحات المنطقة، لتقف الشعوب كلها من أجل إسقاط الاحتلال الخفي والمعلن الذي يخطط للسيطرة على مقدراتها الاقتصادية والسياسية والأمنية.
ونحن في الوقت الذي نرفض فيه الانقسامات والتفجيرات التي تنطلق على أساس مذهبي، نحذر من الخلافات التي انطلقت ويراد لها أن تنطلق داخل المذهب الواحد، وندعو الجميع لرفضها والتصدي لها.
أما لبنان، فإنه لايزال يتخبط تحت تأثير الإشاعات المثيرة التي يتداولها الناس، ولاسيما في التحليلات الإعلامية، انتظارا لتقرير لجنة التحقيق، في عملية تخويف أمني وخصوصا بعد التفجيرات الأخيرة التي تستهدف المواقع الاقتصادية، وتهدد الأوضاع السياحية. هذا بالإضافة الى الجدل حول التعيينات في حساب الحصص الطائفية والشخصية، وتبادل الاتهامات بين فريق وآخر، مما يوحي للشعب كله بأن الطريقة السياسية لاتزال تفرض نفسها بعيدا عن المبادئ التغييرية والإصلاحية، لأن المسألة التي تفرض نفسها هي أن "الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، فإذا كان القائمون على أمور البلد قد أدمنوا الخضوع لمصالحهم الطائفية والذاتية، فكيف يمكن أن يحققوا التغيير والإصلاح؟!
إننا نتساءل: هل هناك حكم وحكومة تخطط للمستقبل الذي ينقذ البلد من الإفلاس والفوضى والفلتان الأمني، وكيف يمكن أن نواجه الاحتلال والعدوان الإسرائيلي ولايزال البعض منا بوحي أميركي أوروبي يطالب بتأمين العدو ونزع سلاح المقاومة قبل تأمين لبنان من اختراقات العدو؟ وكيف يمكن تحرير البلد من الوصاية الجديدة التي تتحرك وراء الكواليس الخفية تحت أكثر من عنوان، وكيف يمكن للبلد أن يحقق المصالحة الوطنية من دون التخطيط لمصالحة البرامج الإصلاحية، واللقاءات الحوارية الموضوعية الصريحة في مستقبل البلد؟ إنها أسئلة بحاجة الى أجوبة، فمن يجيب؟
* مقاطع من خطبة الجمعة للسيدمحمدحسين فضل الله
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1087 - السبت 27 أغسطس 2005م الموافق 22 رجب 1426هـ