حدد وزير الداخلية البريطاني تشارلز كلارك مواصفات "السلوكيات غير المقبولة". وتغطي المواصفات كل مواطن غير بريطاني في المملكة المتحدة أو خارجها وتتهمه بانه شخص غير مرغوب فيه ويطوله القانون وربما عقاب الإبعاد أو الاعتقال. وشملت قائمة السلوكيات الأوصاف أو الأفعال الآتية من نوع تمجيد العنف "الإرهابي" أو السعي إلى توريط آخرين لارتكاب أعمال جرمية، أو التحريض على الكراهية.
إلى الأوصاف حدد وزير الداخلية البريطاني الوسائل الممنوعة وشملت الكتابة أو النشر أو الإعلان أو توزيع البيانات والوثائق سواء جاء التصرف عن طريق الخطب "شفاهة" أو في اطار القيام بمهمة مهنية كاستاذ جامعي أو صحافي أو حركة شبابية أو جمعية سياسية أو خيرية أو من خلال النشر المرئي والمواقع الإلكترونية.
لائحة كلارك طويلة... والآن قائمة المطلوبين قصيرة وربما تطول القائمة بعد فترة إذا أوغلت الحكومة في سياسة التورط والانزلاق نحو مشروع يقضي بمحاصرة المسلمين في المملكة وأوروبا.
حتى الآن تبدو الخطوات أمنية وهي في نظر الدولة مشروعة قانونيا لأنها جاءت لحماية المواطن من استغلال بعض المتهورين والمتطرفين حرية التعبير التي كفلها الدستور لتمرير غايات وأهداف تضر بمصلحة المجتمع وتؤذي النظام العام. الا ان المخاوف التي أعلنت عنها هيئات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان لها ما يبررها في حال تطورت الملاحقات وأخذت تشمل قطاعات واسعة من المسلمين بذريعة مخالفتهم لتلك "السلوكيات غير المقبولة". فالأوصاف المحددة يمكن ان تتحول لاحقا إلى نوع من السلوك غير المقبول من دول تدعي انها ضد التفرقة والتمييز.
احتمال تطور الملاحقات مسألة واردة إذا استخدم القانون بأسلوب غير سليم وفسرت مواده بطريقة عشوائية. فهذا الاحتمال ليس مستبعدا. الصحف البريطانية أشارت مرارا إلى نوع من التمييز "التفرقة" العنصري ضد العرب والمسلمين فيما يتعلق بالكثير من الاختصاصات العلمية. فهناك الكثير من العلوم يمنع على العربي "والمسلم" التسجيل فيها في جامعات مختلفة في بريطانيا وأميركا وأوروبا. وهذا يعني حرمان العرب والمسلمين من اختصاصات علمية كثيرة تتعلق بحقول الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا وغيرها بذريعة ان مثل هذه العلوم تساعد على إنتاج أسلحة دمار شامل بيولوجية وجرثومية وكيماوية... وربما ذرية.
هذا التمييز "العنصري في جوهره" غير المقبول بدأ بعد حرب الخليج الثانية "1990 - 1991" وتطور لاحقا ليشمل الكثير من الاختصاصات العلمية حرمت منها جنسيات عربية ومسلمة بعد ضربة 11 سبتمبر/ أيلول .2001 وإثر تفجيرات 7/7 في لندن أعيد توسيعه. والآن باتت الاختصاصات العليا محصورة في الآداب والعلوم الإنسانية وما يتفرع عنها من دراسات لا تنتج في النهاية مجموعة "إرهابيين" أو دعاة عنف.
العربي الآن "والمسلم عموما" ممنوع عليه ان يحصل في جامعات أوروبا وأميركا على دراسات علمية عليا لها صلة بمجموعة قطاعات يمكن الاستفادة منها في تطوير أسلحة وإنتاج قنابل. وفي معنى آخر، لا يحق للعربي "والمسلم" ان يحصل على تلك الاختصاصات خوفا من ان يكون أو يتحول في المستقبل إلى مشروع "إرهابي".
تحت هذه الذريعة استبعدت في السنوات الماضية مئات الاسماء وحرم المئات من الطلبة من التسجيل في جامعات أوروبية وأميركية باسم حماية "الديمقراطية" من المخاطر التي تهددها من جهات آتية من الشرق إلى الغرب.
مسألة حماية "الديمقراطية" فكرة مطاطة ويمكن ان تمتد وتتسع لتحاصر الحياة المدنية باسم ملاحقة المخالفين لمواصفات "السلوكيات غير المقبولة". وهذه المواصفات قد تبدأ محدودة الا ان احتمال توسيع التعريف لتلك "السلوكيات غير المقبولة" مسألة واردة في المستقبل. وهذا ما حاولت هيئات المجتمع المدني التحذير منه خوفا من انزلاق الدولة نحو سياسات أمنية تؤذي الكثير من الأبرياء وتطيح بكل تلك المحاولات التي بذلتها منظمات حقوق الإنسان للتقريب بين ثقافات الشعوب وتجسير الهوة التي تعطل الاتصال بين ديانات متفقة على الجوهر ومختلفة على تفصيلات.
القائمة التي أعلن عن احتمال ابعادها وزير الداخلية البريطاني قد تكون مفهومة الآن بحكم صلتها اللفظية بتلك التفجيرات التي وقعت في لندن... الا ان المخاوف تبقى واردة في حال وسعت دائرة الاتهامات لتشمل الطلبة والاساتذة وكل من يدافع عن حقوق الإنسان العربي وقضية فلسطين والسيادة والاستقلال والحرية ومكافحة الاستعمار والعنصرية والتفرقة في الثقافة والدين والعلم... وحق التسجيل في مختلف الاختصاصات في الجامعات والكليات العلمية
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1086 - الجمعة 26 أغسطس 2005م الموافق 21 رجب 1426هـ