يتأمل مقال اليوم في الإيرادات الفعلية لموازنة العام ،2004 وذلك في ضوء نشر تفاصيلها في صحيفة "الوسط" بتاريخ 17 أغسطس/ آب. باختصار تظهر الأرقام النهائية أن ارتفاع أسعار النفط ساعد في تسجيل زيادة قدرها 61 في المئة في الإيرادات أي بواقع 494 مليون دينار. لكن من جهة أخرى، كشفت النتائج أن القطاع النفطي لايزال يلعب دورا جوهريا في الاقتصاد البحريني على رغم الحديث عن تنوع مصادر الدخل.
494 مليون دينار زيادة في الإيرادات
ساعد ارتفاع أسعار النفط في زيادة حجم الإيرادات الفعلية بواقع 494 مليون دينار، إذ ارتفع الدخل من 806 ملايين دينار "في الموازنة المعتمدة" إلى 1300 مليون دينار في الموازنة الفعلية. تحديدا بلغ صافي الدخل النفطي 944 مليون دينار مقارنة بـ 490 مليونا في الموازنة المعتمدة. وعليه فإن الدخل النفطي فاق المبلغ المعتمد لمجموع الإيرادات.
لكن هناك جانب سلبي في هذا التطور بحد ذاته، إذ أصبح الاقتصاد البحريني أكثر اعتمادا على النفط، الأمر الذي يتنافى مع السياسة المعلنة للحكومة والداعية إلى المزيد من التنوع الاقتصادي بعيدا عن النفط. ويلاحظ أن الدخل النفطي الفعلي ساهم بنحو 73 في المئة من الإيرادات مقارنة بـ 61 في المئة في الموازنة المعتمدة.
734 مليون دينار دخل حقل أبوسعفة
كشفت النتائج النهائية أن دخل حقل "أبوسعفة" بلغ 734 مليون دينار في العام 2004 ما يمثل 78 في المئة من مجموع الدخل النفطي. يذكر أن البحرين تتقاسم إيرادات حقل "أبوسعفة" مع الجارة المملكة العربية السعودية. أما إيرادات حقل البحرين فقد بلغت 143 مليون دينار أي 15 في المئة فقط من مجموع الدخل النفطي. إضافة إلى ذلك بلغت قيمة مبيعات الغاز الطبيعي 65 مليون دينار أن نحو 7 في المئة من مجموع الدخل النفطي. يلاحظ أن الدخل النفطي زاد على رغم تدني كمية النفط المحسوبة للبحرين في العام الماضي. وبحسب بيان لوزارة المالية نشر أثناء طرح نتائج الناتج المحلي الإجمالي للعام 2004 فإن كمية النفط المنتجة من حقلي "أبوسعفة" والبحرين تدنت بنحو 13 في المئة أو 11,2 مليون برميل. بمعنى آخر فإن الإنتاج النفطي تدنى بواقع 30685 برميلا يوميا. في المقابل حدث ارتفاع نوعي في قيمة سعر البرميل. يذكر أن الحكومة تبنت سعرا منخفضا قدره 18 دولارا للبرميل "الأمر الذي لم يرفضه البرلمان" إلا أنه تم تسجيل فارق كبير في السعر الحقيقي في نهاية المطاف. المعروف أن الحكومة تتبنى سعرا منخفضا لمتوسط سعر برميل النفط بسبب عدم استقرار الأوضاع في سوق النفط وكجزء من منهج اقتصادي متحفظ.
الأهمية النسبية لقطاع النفط
يذكر أن قطاع النفط الخام والغاز الطبيعي ساهم بنحو 13 في المئة فقط في الناتج المحلي الإجمالي للعام 2004 "مقارنة بأكثر من 24 في المئة لقطاع الخدمات المالية". إلا أن صناعة النفط تسهم بشكل أكثر إذا أضفنا عملية تكرير النفط في مصفاة "بابكو".
على كل حال، كما تبين من نتائج موازنة العام 2004 فإن القيمة الحقيقية للقطاع النفطي أكبر بكثير من مساهمته في الناتج المحلي "73 من مجموع الإيرادات". أيضا ساهم القطاع النفطي بنحو 74 في المئة من مجموع الصادرات البحرينية في العام 2004 مقارنة بنحو 70 في المئة في العام ،2003 وذلك على خلفية ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية. كما أن الواردات النفطية مثلت 43 في المئة من مجموع الواردات في العام 2004 مقابل 37 في المئة من مجموع الواردات في العام .2003 المعروف أن البحرين تشتري ومن ثم تستورد النفط الخام من الجارة السعودية لغرض تكريره إلى منتجات نفطية مثل الديزل وبالتالي تسويقه في الأسواق العالمية.
الإيرادات الأخرى
بلغت الإيرادات الأخرى "غير الإعانات" 334 مليون دينار ومصدرها الضرائب على الواردات، والرسوم على الخدمات الحكومية، ومبيعات المنتجات الخدمية والسلعية الحكومية مثل الكهرباء، فضلا عن عوائد الاستثمارات والأملاك الحكومية زائدا الغرامات والجزاءات. شكلت هذه الإيرادات نحو 25 في المئة من مجموع الدخل. بالمقارنة توقعت الموازنة المعتمدة أن تبلغ قيمة الإيرادات الأخرى نحو 278 مليون دينار أي 34 في المئة من مجموع الدخل. فقد لوحظ أن إيرادات الضرائب والرسوم بلغت 139 مليون دينار أي أكثر من المبلغ المعتمد بـ 13 مليون دينار. أيضا بلغت قيمة إيرادات مبيعات المنتجات الخدمية والسلعية الحكومية 117 مليون دينار بزيادة قدرها 12 مليون دينار على المبلغ المعتمد. والأهم من كل ذلك بلغت قيمة عوائد الاستثمارات والأملاك الحكومية 65 مليون دينار أي أكثر من الرقم المعتمد بـ 24 مليون دينار.
تدني حجم الإعانات
أظهرت النتائج النهائية لموازنة العام 2004 تدنيا نوعيا في قيمة الإعانات المحصلة. وكانت الموازنة المعتمدة رصدت مبلغا في حدود 38 مليون دينار "أي نحو 100 مليون دولار". لكن تم تسجيل مبلغ حقيقي قدره 22 مليون دينار لا غير في خانة الإعانات. المشهور أن كلا من دولتي الكويت والإمارات العربية المتحدة تسهمان في منح البحرين إعانة سنوية. إلا أنه من غير الواضح ما جرى فعلا؟ نتمنى أن تصارحنا وزارة المالية عما حدث لمسألة الإعانة، وهل لذلك علاقة بأمور مثل ارتفاع أسعار النفط وبالتالي تعزيز الإيرادات النفطية أم باقتناع إحدى هاتين الدولتين بزوال الحاجة لمنح البحرين هذه الإعانة في ضوء تكرار تسجيل الموازنة العامة لفائض مالي.
حقيقة، لا يوجد في الأمر غرابة فيما إذا حصل توقف لمسألة الإعانة لأسباب أخرى مثل مكافأة الوزراء. حديثا كشف وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة أن كل وزير صاحب حقيبة يحصل على مبلغ سنوي قدره 50 ألف دينار على شكل مكافأة لقاء ما يبذله من جهد. المؤكد أن منح الوزراء مبلغا ضخما سنويا أمر غير مبرر بأي حال من الأحوال ويمثل نوعا من الاستخدام السيئ للمال العام.
ختاما، تظهر نتائج موازنة العام 2004 وجود أخطاء جوهرية في تقديرات الإيرادات. لاشك أنه لأمر جميل أن يتم تسجيل زيادة في الدخل لكن ليس 61 في المئة. لكن هناك جانب آخر لابد من الإشارة إليه وهو أن المصروفات المقدرة تعتمد بشكل مباشر على الإيرادات المقدرة. وعليه فإن تقليل حجم الإيرادات تسبب في تقليل حجم المصروفات في الوقت نفسه. وفضلا عن الدخل النفطي حدث تغيير في الإيرادات الأخرى مثل الضرائب على الواردات والرسوم على الخدمات الحكومية ومبيعات المنتجات الخدمية والسلعية الحكومية. يضاف إلى ذلك تدني قيمة الإعانات التي حصلت عليها البحرين. حقيقة لا يبدو أن الحكومة نجحت في تقديراتها للدخل وذلك في ضوء تسجيل أخطاء في كل أنواع الإيرادات. نتمنى أن يكون ما حدث درسا فيما يخص الإعداد للموازنات المقبلة. مقال الأسبوع المقبل يتأمل في تفاصيل المصروفات بكل تفاصيلها
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1086 - الجمعة 26 أغسطس 2005م الموافق 21 رجب 1426هـ