لعل خطبة الشيخ علي سلمان في مطلع الشهر الجاري نالت نصيبها من التحليل والتعليق، ولست هنا في صدد مزيد من التفسير أو حتى التبرير لما قيل عن اختيار الأمة لقائد "يطيع أمره غالبية الناس"، قاصدا بالأمة "جمهور الوفاق"، وبالقائد "الشيخ عيسى أحمد قاسم". الشيخ علي سلمان كان يتحدث أمام جمهور الوفاق، وكل المصطلحات التي استخدمها يقصد بها ذلك الجمهور فقط. والمشكلة التي أدت إلى استخدام هذا الخطاب أعمق مما قد يبسطه البعض، وهي لا علاقة لها بمن يحاول الاصطياد في المياه العكرة.
نرجع إلى بعض من جذور المشكلة... فالوفاق تأسست كجمعية أهلية ضمن مشروع الإصلاح الذي دشنه جلالة الملك بعد التصويت على ميثاق العمل الوطني في مطلع العام 2001 بغالبية ساحقة. وكان من ضمن برامج المشروع الإصلاحي تنشيط ما يطلق عليه بـ "مؤسسات المجتمع المدني"، وعليه ازداد عدد الجمعيات بشكل كبير جدا، وفي كل المجالات. ولكن الملاحظ هو أن الجمهور الأوسع الذي ساهم في انتفاضة التسعينات احتوته بصورة أساسية جمعية واحدة فقط.
ولو رجعنا إلى بداية التأسيس، سنجد أن هناك اتجاها داخل هذا الجمهور كان يعارض تأسيس جمعية من الأساس، باعتبار أن "الشارع الشيعي" انما كان حركة جماهيرية، ويجب أن يبقى كذلك.
ولو أجريت مقارنة بين مفهوم الحركة الجماهيرية ومؤسسات المجتمع المدني فإن بالإمكان معرفة بعض من جذور المشكلة. فالحركة الجماهيرية أساسا لا تنتمي إلى المفاهيم التي يتحدث عنها مصطلح "المجتمع المدني"، وهو أن المجتمع المدني يعني "مؤسسات أهلية" تعمل بصورة طوعية من أجل أهداف محددة، مثل البيئة وحقوق الإنسان، والشباب وتمكين المرأة وغيرها. وفيما لو رغبت واحدة من هذه المؤسسات أن تتحرك سياسيا، فإنها ليست من "المجتمع المدني" على وجه الدقة، وانما هي من "المجتمع السياسي"، أو "الدولة". فالحزب السياسي يسعى إلى الوصول إلى تسلم الحكومة أو إلى الوصول إلى السلطة التشريعية، وفي كلتا الحالين فإن هاتين السلطتين تتبعان الدولة، والحزب السياسي انما هو الوسيلة التي يصل من خلالها مجموعة من الناس إلى تلك المواقع داخل "الدولة".
الحركة الجماهيرية لا تعترف بالحال المؤسسية، وهي تجمع جمهورها على أسس مشتركة. فالفقر يخلق حركة جماهيرية، والظلم الواقع على فئة محددة من دون غيرها يخلق حركة جماهيرية، وهذه الحركات تنشط مثل "الموج" الهائج الذي يتحرك بحسب تموجات البحر السياسي وبحسب تقلبات الطقس ومتغيرات البيئة المحيطة.
الحركة الجماهيرية قوامها أعداد كبيرة من فئات الشباب والمستضعفين الذين يعيشون تحت ظروف من الضغط المعيشي. ومثل هذه الحركة لا يمكن لعمل مؤسسي ينضوى في إطار "المجتمع المدني"، او "العمل السياسي الحزبي" أن يسيطر عليها بسهولة. فالجماهير تسيطر عليها الخطابات العاطفية في كثير من الأحيان، ولا يستطيع أن يقف أمام "العاطفة" إلا "الدين" وعلى هذا الأساس تبرز نجومية "عالم الدين" بشخصيته الكاريزمية لصد الهيجان العاطفي للحركة الجماهيرية.
الشيخ علي سلمان يواجه أكثر المراحل صعوبة، وهو يعلم أن نخبة "الوفاق" ومجلس إدارتها وهيئتها الاستشارية تقف مع عدد من آرائه بشأن الوضع السياسي. لكن الجمعية العامة التي تمتلئ بالشباب المتحمس فإنها قد تكون بيد صاحب الخطاب الأكبر حماسا... وعليه، واستعدادا للقرارات المصيرية التي تواجهها "الوفاق" خلال الأسابيع المقبلة، فإن الشيخ علي سلمان يسعى إلى الاستعانة بـ "كاريزما" الشيخ عيسى قاسم منعا لانفلات القرار... وهذا ربما دفعه إلى استخدام المصطلحات التي بدت غريبة على اسلوبه مطلع الشهر الجاري
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1086 - الجمعة 26 أغسطس 2005م الموافق 21 رجب 1426هـ