حذر الأمين العام لحزب الله اللبناني السيدحسن نصر الله في حديث إلى صحيفة "الرأي العام" الكويتية ينشر اليوم من تقسيم العراق على أساس طائفي أو عرقي معتبرا أن ذلك "ينطوي على خطورة" تفتيت العراق.
وقال نصر الله في الحديث الذي حصلت "الوسط" على نسخة منه إن "تقسيم الأقاليم في شكل طائفي ينطوي على خطورة إذ يمكن أن يؤسس مستقبلا إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دول مثلا". وأضاف أن "ما نصر عليه وننصح به هو الحفاظ على وحدة العراق وعدم القيام بأية خطوة يمكن أن تؤدي إلى تقسيمه وتفتيته لأن هذا يشكل خطرا على العراق نفسه وعلى كل المنطقة العربية والإسلامية".
وأكد نصر الله "نصر على وحدة العراق وليس العراق فقط، فأحيانا تصدر بعض الدراسات التي تتحدث عن تقسيم السعودية وسورية ولبنان وإيران وأفغانستان". ودعا العراقيين إلى "ألا يتركوا لغما يمكن أن يستفيد منه الأميركيون والإسرائيليون لتفجيره لاحقا".
كما اتهم نصر الله من أسماهم المستفيدين من القرار 1559 بالوقوف وراء اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وقال "إننا متأكدون من أنه تفجير انتحاري لكن من المهم أن نعرف من الجهة التي تقف وراء هذا التفجير". وأضاف "أن الحريري لم يكن قلقا على حياته، بل كان يرى أن وضعي أخطر من وضعه".
وقال نصر الله إن تقرير لجنة التحقيق في اغتيال الحريري ستكون له تداعيات "مهمة وكبيرة" لكنه رأى أن الاتهامات التي سيوردها "ليس لها قيمة" إذا انطلقت من "اعتبارات سياسية". واعتبر انه "لا يجوز" تصعيد الموقف مع سورية. وقال إن "لبنان بحسب واقعه الجغرافي يوجد له جار واحد "سورية" وعدو "إسرائيل" والبحر. فعندما يكون لنا جار واحد هو أخ وشقيق هل نذهب إلى التصادم معه أم إلى التفاهم"؟.
بيروت - جاسم بودي
وصف الأمين العام لحزب الله السيدحسن نصرالله ما أشيع من إيحاءات عن أن تقرير لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري قد يتضمن اتهامات للحزب بـ "الكلام السخيف الذي لا يستحق التعليق"، وقال: "عندما يصدر التقرير نقرأه ونرى ما هي العناصر التي استند إليها ونعلن موقفنا".
وقال السيد نصرالله في حديث شامل إلى صحيفة "الرأي العام" الكويتية: "اذا كان ما سيصدر في تقرير ميليس اتهامات تنطلق من اعتبارات سياسية فلا داعي للخوف لأنه لن تكون له قيمة، أما إذا اعتمد على عناصر قضائية فمن الطبيعي أن تترتب على اتهاماته آثار مهمة جدا على الوضعين اللبناني والإقليمي".
اغتيال الحريري
وبالنسبة إلى الجهة التي اغتالت الحريري، أجاب "ليست لدينا معلومات عمن قتل الرئيس الحريري، ولو كانت لدينا هذه المعلومات لقدمناها بالتأكيد لعائلته وللجنة التحقيق وللدولة وللقضاء اللبناني بالدرجة الأولى"، مؤكدا "أن المستفيد الأول هم أعداء لبنان والذين يريدون تطبيق القرار 1559 بأي ثمن".
وأضاف "لكن إذا أتينا إلى المعطيات المتوافرة بمعزل عن تقرير ميليس، وأعتقد أنها متطابقة مع تحقيقات القضاء اللبناني، فإنها تشير إلى أن ما حصل هو تفجير فوق الأرض، ونحن متأكدون من ذلك من خلال طبيعة الانفجار، وعلى ما يبدو أنه تم بواسطة شاحنة لأن كمية المتفجرات يصعب أن تستوعبها سيارة عادية، وأن التفجير هو تفجير انتحاري، ونحن مؤمنون بذلك، لكن من هو هذا الانتحاري؟ هناك حديث في الأوساط القضائية عن انتحاري أو اثنين، نحن لا نعلم، ما نعلمه أن العملية انتحارية، لكن من هو هذا الانتحاري؟ إلى أية مجموعة ينتمي؟ من هي الجهة التي تقف وراءه؟ ليست لدينا أية معطيات عن ذلك".
وبالنسبة إلى العلاقات مع سورية، أكد نصرالله "لبنان بحسب واقعه الجغرافي يوجد له جار واحد "سورية" وعدو "إسرائيل" والبحر. فعندما يكون لنا جار واحد هو أخ وشقيق هل نذهب إلى التصادم معه أم إلى التفاهم؟ إذا كان هناك من التباس أو إشكالية أو مشكلة بيننا وبينه هل نذهب إلى تصعيد الموقف أم إلى معالجته؟ حسابات حزب الله على هذا المستوى وطنية ولبنانية وقومية وترتبط بلبنان كبلد وبموقعنا في الأمة أيضا"، مشيرا إلى أن "القوات السورية كانت تشكل ضمانة، ليس فقط في مواجهة فتنة سنية - شيعية، بل في مواجهة أية فتنة داخلية بين المسلمين والمسيحيين، بين السنة والشيعة، بين المسيحيين بعضهم مع بعض، بين الشيعة مع بعضهم البعض، السنة مع بعضهم البعض... القوات السورية كانت تشكل ضمانة لأنها كانت تمسك البلد أمنيا في شكل قوي وكانت لها هيبة وكانت تحل الكثير من المشكلات من خلال الهيبة. والخشية الآن أن لدينا شيء من الفراغ الأمني في البلد، الأجهزة الأمنية تم تفكيك جزء منها ولم تتم إعادة بنائها لا في شكل صحيح ولا في شكل غير صحيح، ومازالت مختلة البنيان ولم تعد لها الهيبة المطلوبة نتيجة الاتهامات التي وجهت إليها، وتاليا ليست لدينا اليوم سلطة أمنية حقيقية في البلد يمكن أن تخيف العابثين بالأمن أو الذين يريدون أن يذهبوا إلى الفتنة ويمكن أن تشكل ضمانة حقيقية. حتى الجيش في أجواء الفتنة يخشى أن يتعرض لسوء. ولذلك، البلد يعيش في مرحلة قلق، ليس قلقا من فتنة سنية - شيعية، فالبلد قلق عموما من أية حوادث قد تطرأ في المرحلة المقبلة، قلق من أية مشكلة صغيرة قد تتطور وتصبح مشكلة كبيرة".
وأعرب عن خشيته "من العناصر المخابراتية التي تدخل على الخط. ففي المدة الأخيرة وزع بيان على الإنترنت باسم "تنظيم القاعدة في بلاد الشام ولاية لبنان، كتيبة لواء عمر". مثل هذا البيان يعزز المخاوف عندما يتحدث عن الرافضة المرتدين ويحدد تسع شخصيات شيعية رئيسية في لبنان ويقول إننا سنقوم بقتلها، ويتضمن البيان حجة عقائدية وفكرية من خلال قوله إن هؤلاء الشيعة كفرة مرتدون، إضافة إلى حجة سياسية فيقول إن الشيعة يمنعون قتال اليهود والصليبيين على رغم أنه يعرف أن الذين ذكر أسماءهم كلهم وليس غالبيتهم، هم الذين كانوا في المقاومة، قاموا ودفعوا أثمانا وكانوا شركاء في الجهاد الذي أدى إلى إلحاق أول هزيمة تاريخية بالكيان الصهيوني. فالحجة السياسية ساقطة وواهية. وفي رأيي أن هذا البيان ليس بيان "قاعدة"، ولا أريد أن أبرئهم، ولكن في تحليلي أن لغة البيان لا تتضمن أدبيات "القاعدة" أو الاتجاه السلفي، أنا أعتقد أنه بيان مخابراتي، لأن بعده بأيام، وهو ما علمته أخيرا، وزع بيان على الإنترنت أيضا باسم "كتائب الجهاد الشيعي" وهدد بقتل عدد من الشخصيات السنية اللبنانية، ولم يتم تداوله لأنه كان محدودا جدا.
جهات مخابراتية
من الواضح أن هناك من يلعب في الوسط والكل حذر اليوم في لبنان. نحن نخشى أن تتعرض شخصية شيعية أو شخصية سنية، لا سمح الله، للاغتيال ثم تأتي وسائل الإعلام لتثير البيانات والبيانات المضادة وتضع الشيعة في مواجهة السنة والسنة في مواجهة الشيعة في لبنان... أنا مقتنع بأن أية عملية اغتيال قد تحصل يقف وراءها الإسرائيليون والأميركيون، لأن بعض ما يجري في العراق، وبعض الإخوة العراقيين مقتنع بهذا، كبعض التفجيرات وبعض العمليات الانتحارية وقتل المدنيين والعلماء، بعض هذه العمليات بالحد الأدنى هناك أدلة حسية على أنه يقف وراءها ضباط أميركيون وإدارة اميركية وإدارة إسرائيلية.
الفرصة التاريخية للإسرائيليين لضرب مشروع المقاومة في المنطقة، وخصوصا في لبنان وفلسطين، والذي يشهد علاقة أخوية وعاطفية وسياسية ومعنوية وروحية وجهادية قوية بين "حزب الله" و"حماس" و"الجهاد" و"كتائب شهداء الأقصى" والفصائل الفلسطينية الأخرى... الفرصة التاريخية للإسرائيليين هي العمل على موضوع الفتنة، ويجب أن نكون حذرين لمواجهة أي تفصيل ولا نستهين بأي تفصيل ولو كان صغيرا".
ونفى السيد نصرالله أنه يرتب العلاقة بين القيادة السورية والنائب وليد جنبلاط، مؤكدا "كانت هناك مساع قديمة لكنها انتهت في أجواء التصعيد الكبير الذي حصل قبيل الانسحاب السوري وبعيده. وحاليا ليست هناك مساع من هذا النوع، وأعتقد أن الأمور بحاجة إلى بعض الوقت. نحن بحاجة إلى الهدوء اللبناني والسوري وفي العلاقة بين الطرفين، وبحاجة أيضا إلى ترتيب العلاقات الرسمية بين البلدين، فهذه الأمور ستساعد في نهاية المطاف على إعادة وصل ما انقطع بين سورية وبعض القوى السياسية الأساسية. طبعا أنا سأكون جاهزا في أي وقت لتقديم أية خدمة من هذا النوع إذا كنت قادرا عليها".
وانتقد العماد ميشال عون، وقال إنه "هو من فتح مشكلة مع حزب الله من خلال طريقة اثارة ملف العملاء وتوقيته. وبطبيعة الحال فان اثارة هذا الملف أدت الى ردود فعل كبيرة وقوية من حزب الله ومن غيره. ومن الطبيعي ان تكون ردود فعل حزب الله قوية وحادة لاننا نحن اكثر شريحة تعرف ما ارتكبه هؤلاء بحق لبنان وبحق شعبه، واكثر شريحة لحق بها الظلم والاذى والقتل".
وأكد نصرالله أنه "لا يوجد في لبنان اليوم من يؤيد نزع سلاح المقاومة بالقوة، لا بين المسلمين ولا بين المسيحيين، هذا اقله على مستوى المواقف السياسية المعلنة، وهذا يشكل نوعا من الضمانة على الصعيد الداخلي او كما تسمونه نوعا من شبكة الامان. ولكن الاميركيين والاسرائيليين مصرون على هذا الامر "نزع سلاح المقاومة" وهذا هدفهم المركزي وسيسعون اليه بكل الوسائل والطرق".
وبشأن علاقة الحزب بإيران، أكد نصرالله وجود "إجماع وطني ايراني، اجماع اسلامي ايراني، على مسائل لبنان وفلسطين والموقف من المشروع الصهيوني و"إسرائيل". وفي هذه المسألة لا يختلف المحافظون عن الاصلاحيين ولا الاصلاحيون عن المحافظين. وتاليا انتقال السلطة في ايران من تيار الى آخر لم يغير شيئا في موقف الجمهورية الاسلامية على صعيد المنطقة. ولم نشعر كما كل القوى الصديقة بأي تغيير او تبدل او تأثر في المواقف الايرانية"، مشيرا إلى "أن ايران قوية وقادرة على الدفاع عن نفسها. ولكننا لسنا معنيين بأن نطمئن اعداء ايران ولا اعداء لبنان ولا اعداء فلسطين ولا اعداء سورية، في اتخاذ مواقف مسبقة حيال هذا الموضوع. لا نريد ان نطمئن احدا ولا نريد ان نخيف احدا".
وحدة العراق
وبشأن موضوع الفيدرالية، قال نصرالله: "لا نريد ان نتدخل في الشأن العراقي، ولكننا ندعو الى الحفاظ على وحدة العراق دولة وشعبا وارضا ومؤسسات. وفي ظل هذه الوحدة، هذا شأن العراقيين ان يقرروا طريقة الادارة. والفيدرالية لها حد، الفيدرالية العالية المنسوب والفيدرالية الضعيفة المنسوب، اي ان ثمة نوعا من الفيدرالية هو اقرب الى ما يسمى باللامركزية الادارية. ونحن نؤيد ما يرتضيه العراقيون، ولكن ما نصر عليه وننصح به هو الحفاظ على وحدة العراق وعدم القيام بأية خطوة يمكن ان تؤدي الى تقسيمه وتفتيته لان هذا يشكل خطرا على العراق نفسه وعلى كل المنطقة العربية والاسلامية. ولكن كيف يدير العراقيون شئونهم في اطار هذه الوحدة، سواء عبر التنوع في اطار الوحدة، او لامركزية ادارية، او فيدرالية مخففة او تقسيم الاقاليم اداريا وليس عرقيا او طائفيا، فهذا شأنهم. علما ان تقسيم الاقاليم في شكل طائفي ينطوي على خطورة اذ يمكن ان يؤسس مستقبلا الى تقسيم العراق الى ثلاث دول مثلا. اذا خلاصة الموقف، اننا نصر على وحدة العراق، وليس العراق فقط. فاحيانا تصدر بعض الدراسات التي تتحدث عن تقسيم السعودية وسورية ولبنان وايران وافغانستان. ونحن الذين ندعو الى وحدة الامة واتحادها، يجب ان نصر في الحد الادنى على وحدة البلاد التي تم تقسيمها في "سايكس بيكو"، وألا تتم شرذمة العالم الاسلامي اكثر. نعم، هناك مشكلات داخلية. وفي اطار وحدة اي بلد يجب البحث تنظيميا واداريا وقانونيا في الطريقة الأفضل التي تطمئن الاكراد والسنة والعرب والشيعة والتركمان، بحيث تكون كل "مكونات الشعب العراقي" كما يسميها الاخوة العراقيون مطمئنة ومرتاحة، وألا يتركوا لغما يمكن ان يستفيد منه الاميركيون او الاسرائيليون لتفجيره لاحقا".
غزة والانسحاب
وعن انسحاب "إسرائيل" من غزة، قال: "إن خيار الانتفاضة كان خيارا صحيحا. كل المفاوضات من كامب ديفيد المصرية الاسرائيلية الى اوسلوا الى كامب ديفيد الفلسطينية الاسرائيلية في العام 2002 اثبتت ان المفاوضات لا تحقق ولو الحد الادنى مما يتوقعه الشعب الفلسطيني، او حتى السلطة الفلسطينية نفسها او منظمة التحرير نفسها. اليوم الانجاز في غزة. وانا هنا استعير عبارة الاخ خالد مشعل، هو استعمل عبارة دقيقة جدا عندما قال انه صحيح هذا انجاز محدود ولكنه كبير وبالغ الدلالات، هذا صحيح. حصل جدل هذه الفترة: هل ضخم هذا الانجاز؟ ليس صحيحا تضخيمه وليس صحيحا ايضا اهماله وشطبه. هو حقيقة انجاز كبير، ولكن دلالاته اكبر منه. ان الصهاينة يخرجون من ارض، الان البعض حاول المقارنة مع الانجاز في لبنان، طيب مساحة الارض التي خرج منها الاسرائيلي من الشريط الحدودي في جنوب لبنان اوسع هذا صحيح، وهذه الارض اصبحت محررة ومتصلة ببقية الاراضي اللبنانية صحيح. ولكن مهما قيل من فوارق بين غزة وجنوب لبنان يبقى هناك فارق نوعي واستراتيجي ومهم جدا وتاريخي ايضا وهو ان غزة ارض فلسطينية، وانه هذه هي المرة الاولى التي يخرج فيها الاسرائيلي من ارض فلسطينية بمعزل عن مساحة هذه الارض واهميتها ومشكلات العدو فيها من دون مفاوضات من طرف واحد، ومن دون ان يأخذ في المقابل ضمانات او التزامات او ما شابه من الفلسطينيين. الفلسطينيون لم يقدموا التزامات للاسرائيلي في مقابل خروجه من قطاع غزة".
وأكد نصرالله وجود اتصالات مع الأوروبيين، ونفى أن تكون هناك اتصالات مع الأميركيين.
وعن سبب انقطاع العلاقة، أجاب: "لأن حزب الله يقاتل الاسرائيليين. ومشكلة حزب الله الحقيقية عند الاميركيين هي قتاله للاسرائيليين ومواجهته للمشروع الصهيوني في المنطقة، وهذا ليس كلاما جديدا"
العدد 1086 - الجمعة 26 أغسطس 2005م الموافق 21 رجب 1426هـ