مر عامان على الاعتداء الوحشي الذي استهدف مقر منظمتنا في بغداد. ولاتزال الأسر التي فجعت في أبنائها يصارع أفرادها يوميا أثر الصدمة والجروح التي خلفها ذلك اليوم المريع في نفوسهم، وفي نفوسنا نحن أيضا، أفراد أسرة الأمم المتحدة. أما من كتبت لهم النجاة، فهم لايزالون يضمدون جروحهم، فمنهم من لايزال يتلقى العلاج حتى الآن، وكل واحد منهم لايزال يحمل ندوبا وتلازمه كوابيس يتعذر نسيانها. ثم ان العدالة لم تأخذ مجراها هي الأخرى بعد، إذ إن الجاني لايزال مجهولا، الأمر الذي يقدم دليلا آخر على استباحة أرواح أفراد الأمم المتحدة من عاملين في بعثات حفظ السلام أو البعثات الإنسانية أو غيرهم، دونما عقاب على غرار ما عليه الحال في غالبية الأحيان.
وسيظل الألم المرتبط بتاريخ 19 أغسطس/ آب محفورا في ذاكرة الأمم المتحدة، ولن أنساه ما حييت. فهذه مناسبة لنتذكر هول ما لحق بزملائنا الذين فارقونا، ونفكر في أفضل سبل مواصلة الرسالة التي سقطوا من أجلها. وهذا اليوم هو مناسبة أيضا لنعرب عن عرفاننا لهم ولشموع الأمل التي أضاءوها في جميع أرجاء العالم بمصرعهم. فالمثل العليا لمنظمتنا إنما يجسدها زملاؤنا هؤلاء الذين غادرونا وهم في ربيع العمر. فلقد ضربوا المثل على الشجاعة والتفاني من أجل مساعدة أناس على بناء حياة أفضل على أرضهم التي مزقتها الحرب ونشرت فيها الفقر والإملاق. وان تفانيهم ونجاحهم في عملهم شرف وفخر يشملنا نحن جميعا.
وفي هذه الذكرى، أقدم مجددا تعازي لأسر الضحايا الذين قدموا أرواحهم فداء للأمم المتحدة. وأدعو الله أن يخفف عليهم لوعة الفقد. وأثني على أفراد بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى العراق، رجالا ونساء، موظفين دوليين وعراقيين، على ما يبدونه في عملهم من قدرة على تحمل المشاق وركوب المخاطر للخروج بالبلد من الفترة الانتقالية. وأخيرا، أحيي موظفي الأمم المتحدة الذين هزتهم هذه الكارثة، ولكنهم عرفوا كيف يصبرون عليها ليستأنفوا السير بثبات على درب مهمتـنا العالمية، مهمة إحلال السلام العالمي.
* الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة
العدد 1085 - الخميس 25 أغسطس 2005م الموافق 20 رجب 1426هـ