العدد 1085 - الخميس 25 أغسطس 2005م الموافق 20 رجب 1426هـ

الخبر "صورة" لا "نصا"... أو يفقد المصورون وظائفهم

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

يذهب مؤسس ومدير وكالة وصالة العرض VU بباريس CHRISTIAN CAUJOLLE "كريستيان كوجل" في أحد أهم مقالاته "موت التصوير الصحافي وقيامته" إلى قراءة مهمة لمفهوم التصوير الصحافي، ويرى "أن ما يحصل للتصوير الفوتوغرافي اليوم مع ظهور الصور الرقمية التي أصبحت بمتناول الهواة، هو الشيء نفسه الذي حصل مع فن الرسم في القرن التاسع عشر اثر ظهور التصوير الفوتوغرافي".

صور الهواة والمتجولين، والتي في الغالب ما تكون ذات طابع "فضائحي" أغلقت الباب على حقبة من الشهادات الوثائقية المصورة عبر الصحافة، أو على الأقل قد تشكل نقطة انتقال إلى مرحلة جديدة. هذه المرحلة تساهم اليوم في التقليل من أهمية ذلك المصور الصحافي المتجول ليصطاد الصور النادرة، فأصحاب الهواتف المزودة بالكاميرات موجودون في كل مكان، ولا يحتاج الإنسان بطبعه للتشجيع على ممارسة عادة التطفل والتوثيق لما يراه من غرائب.

ويذهب كريستيان كوجول إلى "أن تصوير تلك الحوادث التاريخية من قبل أشخاص غير محترفين لا يشكل بحد ذاته تجديدا على مستوى التصوير الفوتوغرافي فحسب، لكن النقل والبث المباشر لتلك الصور يشكل حتما ظاهرة جديدة، إضافة إلى تأثيرها القوي على الرأي العام". هذا ما يجعل حياة الناس معرضة للظهور الإعلامي في كل دقيقة من دقائق حياتهم، وهذا ما يؤسس الى سلطة إعلامية جديدة تتمثل في الهاتف المحمول والكاميرات الرقمية للمحترفين الهواة، وهذا ما اتضح لنا بجلاء في التغطية الصورية لحوادث سجن أبوغريب أو حوادث تسونامي خصوصا، إذ غابت صور المحترفين، وانتشرت صور الهواة من الجنود الأميركيين أو السياح الأجانب على شواطئ شرق آسيا.

لابد من التنبه الى ذلك الدور الذي لعبته صور الهواة وتبعات هذه الصور، لم تأت الأزمة السياسة الدولية "سجن أبوغريب" إلا كنتاج لصور التقطتها هواتف بعض الجنود الأميركيين أثناء ممارساتهم اللاأخلاقية مع الأسرى العراقيين، ولنا أن نتصور ما قد ينال مرشح لانتخابات ما حين يلتقط له أحد المتطفلين صورا في ملهى ليلي يرتاده.

وكذلك هي تبعات حوادث تسونامي، إذ كانت الصور المحترفة غائبة عن مشهد القصص الخبرية عن تسونامي، وانتشرت الصور السيئة التي التقطتها هواتف وكاميرات الهواة، هذا ما يحيل إلى اعتبار الواقع الجديد للصور الصحافية واقعا يمر بمرحلة انتقالية مهمة.

إذا أخذنا مجلة باري "ماتش" على صعيد الصحافة الفرنسية، نرى أنها خصصت على الفور موضوع الغلاف، وملفا من أربع وعشرين صفحة، لاجتياح التسونامي لشواطئ جنوب شرق آسيا من صور الهواة الذين عايشوا الحدث بأنفسهم. هذا ما يحيل إلى أن الموضوع لا يمكن ان يتجاهله مصورونا المحترفون في الصحف العربية، هذا طبعا لا يعني أنه عما قريب سيفقد هؤلاء وظائفهم، إلا أنهم مطالبون بمزيد من الإنتاج النوعي الذي يفرق بين احترافيتهم في التصوير والاختراق.

عربيا، ثمة ما يسمى بالإهمال المتعمد من قبل المصورين في تفعيل ما يسمى بالريبورتاجات أو التحقيقات المصورة، ليست القصة الخبرية "نصا" وحسب، بل هي أكثر قوة وكفاءة وتأثيرا حين تكون "صورة". وهذا ما نحتاجه من مصورينا المحترفين، عوضا عن الانتظار في غرفهم لتلقي أوامر التصوير للاحتفالات واللقاءات الخاصة، عليهم أن يسعوا بأنفسهم الى الخبر "الصورة".

البرامج الإلكترونية الخاصة مثل "photoshop" والخاصة بتعديل الصور الرقمية وتحسينها بطرق عالية الدقة، تمثل خطرا على مصوري المؤسسات الصحفية اليوم، وتعمد الكثير من الصحف في هذه الآونة الى اعتماد الصور الرقمية لسهولة تعديلها وتنسيقها بالتتيات الإخراجية، بما ينعكس إيجابيا على الإخراج النهائي للصحيفة، وبما يعطي المصميين "graphic designer" فرصا أكبر للإبداع والإنتاج.

إن الانتشار الواضح للصور الرقمية في الصحافة، ليس سوى مصادقة، او فقط تجسيد، لوضع الصورة اليوم. فهي لم تعد مرتبطة بالتقليد الفوتوغرافي، انما بالموجة الجديدة التي تنقل الواقع بواسطة الرموز الرقمية ضمن إطار محدد. بعد حوادث "أبوغريب" وكارثة المحيط الهندي، تغيرت الكثير من الأمور، فأي شخص مزود بآلة تصوير رقمية أو بهاتف محمول حديث، أصبح بإمكانه الحصول على حوادث مصورة وصور ثابتة مهمة، يمكن له أن يتفرد بها وأن يكون صحافيا مصورا. وكما يقول كوجول: "لقد ولت أيام احتكار السلطة من قبل المحترفين وتعجرفهم. فأي واحد قادر على تصوير الحوادث ونشرها والكشف عما حصل للمشاهدين. ما يعني، أوليا، انه لن يمر أي حدث بعد اليوم دون ان يتم تصويره"

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1085 - الخميس 25 أغسطس 2005م الموافق 20 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً