العدد 1084 - الأربعاء 24 أغسطس 2005م الموافق 19 رجب 1426هـ

جماعتنا ليست حزبا وهي تهدف إلى الإصلاح الفكري

ردا على ما كتبه رئيس التحرير منصور الجمري

عيسى الشارقي comments [at] alwasatnews.com

-

ذكرتنا في سردك للحركات الإسلامية الشيعية في البحرين بتاريخ 5 أغسطس/ آب ،2005 ومع علمي بأن إيمانك بحرية التعبير والرأي الآخر؛ لم يتسع ليشملنا ضمن من شمل، من اليسار واليمين والديني واللاديني، إلا أنني آمل أن تنشر ردي هذا عملا بالحقوق الصحافية، القائمة على حق نشر الرد، في الموقع نفسه الذي حرر فيه المقال.

وأنا لن أتعرض لما ذكرته من تاريخ حزب الدعوة، وإرهاصاته الأخيرة، على رغم حقي في هذا، كوني أحد أعضائه السابقين، والذين كانوا يديرون جمعية التوعية، إذ كنت نائبا للرئيس الشيخ إبراهيم الجفيري قبل إغلاقها، وذلك لإيماني بأن ما تسرده من حيثيات، لا يتعدى كونه انطباعات شخصية، ومذكرات ذاتية، عن حوادث شهدت بعضها، وسمعت عن أكثرها ولم تشهدها، وهذا لا يجعل روايتك كافية، ولا صافية من المشاعر الشخصية.

ثم إني أعتقد بأن الأوان لم يحن بعد، لكتابة تاريخ هذه الحوادث، لأنها لم تتحول بعد إلى تاريخ، بل هي لاتزال سياسة، إذ تداعياتها وآثارها لاتزال تصنع الواقع وتؤثر فيه، سواء بالسلب أو الإيجاب، ولايزال أشخاصها يمارسون الحدث لاعبين أو ملعوبا بهم، فالنهاية لم تكتمل بعد، والكتاب لم يختم، بل مازالت الحوادث تتوالى، ولايزال السجل يمتلئ بالهزيمة والنكوص والتراجع والخيانة والانقلاب والعجز والفشل والاغترار والتعصب، وبالتضحية والصبر والتحمل والحنق والتعقل والرزانة والواقعية والحماس وغيرها ألوان من المواقف للقادة والتابعين قد سجلتها الحوادث ولاتزال تسجلها، ولا أرى أنك قادر الآن وفي مثل هذه الظروف أن تتحدث فيها من دون أن تظلم أو تظلم، فالجرح لما يندمل والقضية لما تقبر، ولكني أريد أن أوضح بعض أمور بشأن ما ذكرته عنا وأوجزها في نقاط:

1- لقد حاول كبار المشايخ، منذ أن عقدوا اجتماعهم الأول والأخير معنا، تهديدنا زمن أيام قانون أمن الدولة بأنهم سيسلموننا إلى السلطة، وفعلا فعلوها مرارا وتكرارا وعلى أعلى المستويات، وقد تأكدت من ذلك بنفسي، لا من خلال ما نالنا من المراقبة والتفتيش والاستدعاء والتحقيق فقط، وإنما قد صرح لي بها أحد المسئولين، حينما قابلته لطلب الترخيص لجمعيتنا، فقد كان أحد كبار المشايخ مولعا بالإيحاء للدولة بأن جماعتنا هي حزب سري، يريد تغيير الحكم في البحرين، ثم في دول الخليج واحدة تلو الأخرى، بما فيها السعودية، وقد صرح لي بذلك المسئول وإن على نحو المداعبة، وكان هذا الشيخ، لا يتكلم مع الأفراد الذين يحضرهم عنده للاستتابة إلا بتعابير المخابرات: من نظمك؟ من هم أفراد خليتك؟ ما هي المهمات التي أسندت إليك؟ من هم الناس الذين أدخلتهم في التنظيم؟ "والحال أنه في المفترض إنما يستتيبه عن عقيدة فاسدة اعتقدها"، ويدون خلسة كل هذا على أشرطة وينشرها لتصل إلى المخابرات وأجهزة الأمن، وبالمناسبة أني أرى أنك في سردك لا تختلف عنه في طريقته، على رغم أن قانون أمن الدولة قد سقط، وصار العمل السياسي مسموحا به، فإنك مازلت توحي للقارئ بأننا اتحاد بين حزبين، وأننا كنا نبحث عن النشطاء السياسيين فقط، وأن عملنا مازال تنظيميا.

قلنا سابقا أيام قانون أمن الدولة، ونقول اليوم بعد سقوطه، إننا لسنا حزبا سياسيا، وليس لدينا قوائم سرية فكلنا يعرف كلنا، صغارا كبارا، ولا نختار النشطاء من دون غيرهم، فنحن مجتمع طبيعي فيه كل أفراد الأسرة من الشيخ حتى الرضيع.

إننا أكبر من أن نكون حزبا سياسيا، أو حركة مذهبية أو طائفية، إننا جماعة تؤمن بضرورة الإصلاح الفكري والسلوكي لهذه الأمة الإسلامية العريضة، لأجل أن يزول ما فسد من فكرها وعقائدها، ويستقيم ما انحرف من سلوكها، لتنقية إسلامها واسترجاع دورها وحضارتها وسلمها مع الناس، فالأمة اليوم كما قال رسول الله "ص": "ترى المنكر معروفا والمعروف منكرا"، وليس آخرها إنكارنا لحرية الاعتقاد والقول والعمل للناس من دون إكراه.

2- لقد أثار عجبك أن أمرنا قد استطاع توحيد ما عجزتم عنه: أفرادا من المنتسبين لحزب الدعوة وللجبهة الإسلامية، وحقا لك أن تعجب، إذ لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم، ولكن الله ألف بينهم. وإذا أردت أن تعرف السر فستلقاه في الأوس والخزرج، فالنبي "ص" لم يوحدهم على ما هم عليه، بل أخرجهم مما كانوا فيه إلى أمر جديد، فألقوا عن كواهلهم عصبياتهم ومنافساتهم وقاموا لله قانتين، جزاهم الله عنا كل خير، وكذلك نحن لم نذهب بما كنا عليه من أمر الدعوة والجبهة، وإلا لاستحال علينا التآلف، وإنما تخلينا عن كل ما كنا عليه من الأحزاب والفرقة، وقمنا لله خدما، تساوى في قلوبنا حب أبيض هذه الأمة وأسودها، سنيها وشيعيها، بعيدها وقريبها، لا نرفض الحق إذا وجدناه عند غيرنا، ولا نصر على الباطل إذا كان عندنا، بل نتبع الحق كيفما طلع فجره.

3- ذكرت نهوض المشايخ ضدنا، واشتراطهم الاستتابة للمتراجع منا، وأنها كانت نهضة تتناسب في حجمها مع مدى الخطر الذي مثلناه على نشطاء الساحة الدينية، ولست أريد هنا أن أتحدث عن الذي جرى، ولكنني لحظت في كلامك روح التأييد والمساندة له، فأقول إن هذا إن ناسب عقل وثقافة المشايخ، فإنه لا يناسب عقلك وثقافتك وكلامك الذي ذكرته مرارا، من إسنادك للحرية وحقوق الإنسان، فإنهم إنما صادروا حرية فئة في أن تعتقد برأي رأته حقا، وصادروا الكثير من حقوقهم الإنسانية عبر ما استباحوه من حرماتهم، وكان المنتظر منك - تصديقا لأقوالك - أن تنادي بحرية الاعتقاد للإنسان وإن خالفك، وبحرمة حقوقه الإنسانية وإن كان على عكس مشربك، فأنت لست رجل دين؛ لا يؤمن بهذه الموازين، فكيف تخالف فينا ما تنادي به وتقوم ثائرا لأجله؟ فهذه المبادئ لا تتجزأ، وكان عليك إدانة ما جرى لا تبريره وتأييده، عوضا عن أن تعمل به، فهذا الازدواج يفقدكم الصدقية عند من يخالفونكم الرأي والمعتقد من غيرنا، كأبناء الطائفة السنية والعلمانيين، وأما إن اعتذرت كما اعتذر غيرك، بأننا أشد خطرا على الحركات الإسلامية، أو على الإسلام كما يعبرون من غيرنا، فقد جعلت موازين حقوق الإنسان تقاس بمدى خطورتها على فئة أو جماعة أو دولة أو دين، والحال أن هذه الحقوق لا يسقطها إلا عدم إيمان الآخر بها، وعمله في المجتمع على عكسها، كما عند النازية والفاشية والصهيونية، ونحن لم نسقط للإنسان حرمة، ولم نناد بعصبية، ولم نخرج عن حال السلم، ولم نلجأ إلى غير القول والدعوة، فإن كانت معارضة فقول قبال قول، وإلا فما الفرق بينكم وبين المستبدين الذين دعتهم قوتهم إلى الطغيان؟

4- أشرت إلى أن الصراع بين الجبهة والدعوة جذوره في صراع حوزتي النجف وكربلاء، وذكرت هذا مع حادثة ظهور البابية في كربلاء، وثلثت بأن القائل بدعوتنا في البحرين هو من الجبهة، فكأنك تريد أن تغمز في قناة الجبهة؛ أن من بيئتهم تخرج أمثال هذه الدعوات، فإن أردت هذا، أو تاقت له نفسك، أو أردت الإيحاء به للقارئ، فاعلم أن أول من ادعى كذبا رؤية الإمام المهدي في البحرين، هم ثلاثة من حزب الدعوة، فرح بها مشايخ الدين لأنها مجدتهم كذبا.

ولست أظن أن ما زعمته من اجتماع وإجماع لعلماء النجف، على منع الزعامة عن حوزة كربلاء بسبب الدعوة البابية إلا تخرصا بغير علم، فالزعامة لحوزة النجف منذ زمن سابق ومازال، والفقهاء في كربلاء كانوا ومازالوا، وليس هناك أصلا شيء مبرمج ومتفق عليه بزعامة الحوزات، ولا يؤخذ في مثل هذا قرارات، وإنما هي طبيعة ثقل المجامع الحوزوية، تقرر أن الزعامة للنجف وقم، وقد يخترق هذه الزعامة بروز مرجع فذ من كربلاء أو البحرين أو الحلة أو لبنان، في فترات من التاريخ، فإنما التسليم عندهم للأعلمية.

وأما نحن فلا نؤاخذ محمدا بكذب مسيلمة، ولا موسى بالسامري، ولا العمري بجعفر، فالحياة تخرج الخبيث من الطيب، وتخرج الطيب من الخبيث، وكل شاة برجلها معلقة.

* كاتب بحريني


الفقرة التي كتبها رئيس التحرير في 5 أغسطس 2005 ويرد عليها الكاتب عيسى الشارقي

"سفارة" للمهدي في سجن جو

بينما الاوضاع تشتد أمنيا، كان السجناء السياسيون من أعضاء الجبهة الإسلامية "خط الشيرازي" وأعضاء حزب الدعوة يعيشون في عالم آخر. ففي داخل السجن بدأت دعوة "ربما في العام 1986" من قبل احد السجناء تقول "ما معناه" ان الامام المهدي "ع" قد عينه "سفيرا"، أو "بابا" شرعيا للاتصال به من خلاله. واستطاع صاحب الفكرة "وهو كان سابقا من اتباع خط الشيرازي" ان يجمع عددا من اتباع خط الدعوة وخط الشيرازي حوله.

كانت فكرة "البابية" قد نشأت في أوساط الشيعة من قبل، واهمها كانت في كربلاء المقدسة قرابة العام 1843م عندما أعلن احد الاشخاص "وكان تلميذا لاحد مراجع الدين الذين يتخذون من كربلاء مقرا لهم" انه "الباب" للامام المهدي "ع"، وكان ذلك العام يصادف مرور ألف سنة على غيبة الامام المهدي، وكانت بعض الاوساط قد تنبأت بعودته بعد ألف عام. تلك الحركة "البابية" رفضها علماء الشيعة، وحدثت مآس في كربلاء بعد انفلات الوضع ودخول القوات العثمانية واستباحة المشاهد المقدسة. وعلى إثر ذلك، توحد أكثرية علماء الشيعة وقرروا ان تتركز المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف فقط. وعلى هذا الاساس، فقد كانت هناك حساسية من أية محاولة لتكوين مرجعية دينية اخرى تنطلق من كربلاء.

على أي حال، لم يتوقع أحد ان تنطلق دعوة مشابهة من احد سجون البحرين، والاغرب من ذلك ان صاحب الفكرة استطاع ان يحقق ما عجز عنه الآخرون، وهو توحيد اتباع من خط الدعوة مع اتباع من خط الشيرازي في اطار واحد.

المفاجأة الأخرى هي ان صاحب الفكرة استطاع ان يخلق تنظيما داخل السجن، وان التنظيم بدأ يخرج إلى خارج السجن عبر الزيارات العائلية، وان عددا من الناشطين التحق بالتنظيم وبدأ ينظم الصفوف على أساسه.

فوجئ علماء الدين في العام 1987 و1988 بأن الفكرة لم تعد محصورة، وانما أصبحت تنظيما يتنامى في اوساط الناشطين، واضطرهم ذلك إلى الخروج من العزلة التي فرضت عليهم بعد احكام القبضة الأمنية لاستصدار فتاوى تحرم الفكرة وتدعو إلى "تتويب" من التحقوا بالتنظيم. كان التنظيم يقوى وينتشر، ولذلك كان التصدي له بالقوة نفسها، واستطاع العلماء احتواء امتدادات التنظيم مع نهاية الثمانينات، لكنه بقي موجودا ويتحرك في اطار منظم من خلال من آمنوا بالفكرة واستمروا عليها

العدد 1084 - الأربعاء 24 أغسطس 2005م الموافق 19 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً