العدد 1084 - الأربعاء 24 أغسطس 2005م الموافق 19 رجب 1426هـ

الصين على الطريق لتصبح قوة عظمى "1"

شركات أميركية تقفل أبوابها ونزوح الأموال والعمال إلى السوق الجديد

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

بيتر زانتال اسم الرجل الذي ينظم العولمة في ميناء نيويورك إذ ترسو فيه كل أسبوع 24 سفينة تنقل آلاف الحاويات التي يأتي معظمها عبر قنال بنما من هونغ كونغ وشنغهاي. بعد 18 ساعة تنتهي عمليات تفريغ البضاعة التي هي عبارة عن أجهزة الهاتف الخليوي وكمبيوتر وثلاجات من إنتاج الصين لتجد طريقها بعد ساعات إلى المتاجر الأميركية. يلاحظ زانتال زيادة كميات الواردات كل أسبوع. هذا تطور يثير السرور في نفس زانتال من جهة لكن من جهة أخرى يثير قلقه أيضا. ذلك أن نصف عدد الحاويات تعود خاوية تماما إلى الصين أما النصف الآخر فيتم تحميله بكميات من الورق المستعمل إذ يصنع منه الصينيون صناديق كرتونية التي يجري وضع أجهزة الهاتف الخليوي والكمبيوتر والثلاجات فيها ونقلها إلى نيويورك.

التقنية العالية مقابل الورق المستعمل. هذا هو أبرز ما يدور حاليا من تعاون اقتصادي بين الصين والولايات المتحدة. بصورة متزايدة يجري إنتاج بضائع مخصصة للسوق الأميركية في مصانع رخيصة في الدولة الاقتصادية الآسيوية الجديدة وتضطر أيدي عاملة وطنية في ظل هذه الظروف إلى الهجرة. قال زانتال: هذه هزة أرضية بالنسبة إلى اقتصادنا، وتابع قائلا: ما هي الوظائف التي ستبقى لأطفالنا؟ هذا السؤال يشغل بال الولايات المتحدة برمتها في الغضون. وسبب صعود الصين صدمة للأميركيين. فيما ينظر مواطنو الولايات المتحدة بغيظ للمنافسة الصينية وإغراق السوق الأميركية بالبضائع الرخيصة، زاد قلقهم حين سعت الصين في ديسمبر/ كانون الأول العام 2003 لشراء شركة الكمبيوتر IBM الأميركية التي كانت توصف بأيقونة الصناعة الأميركية، وقامت موجة تحذير من خطر العرق الأصفر. ليس هناك اتفاق على موضوع داخل أميركا التي يسودها خلافات مثل توحد الصفوف كافة ضد المنافسة الصينية. صوت غالبية أعضاء مجلس الشيوخ ضد قرار بيع شركة النفط الأميركية Unocal للتنين الصيني إذ عبر الجمهوريون والديمقراطيون عن خشيتهم من امتداد نفوذ الصينيين لمصادر النفط. قبل أسبوع قام الصينيون بسبب الضغط السياسي بسحب عرض الشراء. لكن هذه الخطوة لم تساعد الأميركيين في تنفس الصعداء إذ محاولة الصين شراء شركتي IBMmUnocal مجرد بداية للتحول الذي تشهده الصين واتجاهها لمنافسة أميركا في الأسواق العالمية وعلامة على نهاية الهيمنة الأميركية إذ من المنتظر أن يكون القرن الجديد، قرن آسيا، وبصورة مركزة على الصين.

إن ما بدأ من انفتاح اقتصادي في عقد السبعينات تحت قيادة الزعيم الإصلاحي دنغ كسياوبنغ، تطور الآن. منذ ربع قرن ينمو اقتصاد الصين سنويا بنسبة 9 في المئة. وراح المنتقدون يحذرون من خطر النمو السريع واحتمال تعرض الصين لأزمة مرتدة غير أن حساباتهم كانت دائما مخطئة. على العكس تماما، بالنسبة إلى غالبية الخبراء الاقتصاديين، فإن المسألة تتعلق بالوقت فقط حتى يتفوق اقتصاد الصين على اقتصاد الولايات المتحدة. بعضهم يراهن على أن هذا سيتحقق بعد عشرين عاما والبعض الآخر بعد أربعين عاما. إلا أن أقلية فقط من الخبراء الاقتصاديين ليسوا مقتنعين بأن هذا سيتم.

العالم مبهور من جهة وقلق من جهة أخرى حيال صعود الصين. الأميركيون خصوصا يتابعون الزحف الاقتصادي في الصين للتربع على عرش الاقتصاد العالمي. يتبع هذا الإعجاب خوف الرأي العام وشعور متزايد بعدم الاطمئنان. بالنسبة إلى الأميركيين فإن الصين المسئولة عن أكبر عجز تجاري في تاريخ الولايات المتحدة. فقد سجلت صادرات الصين للأسواق الأميركية منذ العام 1990 زيادة نسبتها 1200 في المئة. كما أن حجم الأموال المودعة في المصرف المركزي في بكين تبلغ حاليا نحو 700 مليار دولار. بوسع كلمة واحدة من القيادة السياسية الصينية أن تؤثر على قيمة الدولار الأميركي. التهديد الصيني يصدر من النواحي كافة. كل يوم يعتاد الأميركيون على شعور لم يعرفوه في السابق: أن بلدهم ليس القوة العظمى الوحيدة في العالم. في الغضون لم يعد مكان أكبر مركز للتبضع في غرب إدمنتون بألبيرتا وإنما في بكين. كما غالبية المهندسين في العالم لم يعودوا يحصلوا على شهاداتهم من جامعات تمتد من بيركلي إلى هارفارد وإنما يحصلون دراساتهم العليا في جامعات الصين إذ يتخرج 440 ألف مهندس جديد كل عام وهذا ضعف عدد خريجي المهندسين في الجامعات الأميركية. لاشك في أن صراع العظماء بدأ. بعد مرور 15 سنة على نهاية الحرب الباردة تجد الولايات المتحدة نفسها منشغلة في مشكلات مثل نتائج هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول العام 2001 والعراق مقابل صعود الصين الاقتصادي. ويقول الكاتب الأميركي المعروف توماس فريدمان إن النتيجة ولادة توأمين سياميين مشكلتهما عدم تطابق العلاقة البيولوجية بينهما. أحد الطرفين وفي هذه الحالة، الصين، قوة عظمى ليس فيها ديمقراطية ولا نظام اقتصاد السوق. طيلة السنوات الطويلة الماضية لم يكترث الأميركيون للبضائع الرخيصة التي كانت تأتيهم من الصين، أما اليوم، فإنهم يحدقون طويلا ببيانات الواردات وأسعارها وكيف يزيد عدد البضائع التي تحمل علامة "صنع في الصين" ويتابعون بقلق كيف يجري شطب وظائف العمل داخل الولايات المتحدة في مجالات الأبحاث والتكنولوجيا وهجرتها إلى الصين يرافقها انخفاض في قيمة الدولار في المقابل ينمو الاقتصاد الآسيوي. بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 انكب الأميركيون على مطالعة كتب عن الإسلام أما الآن فينكبون على قراءة كتب مثل "خطة الصين لتدمير الولايات المتحدة" و"صعود التنين الأحمر". في تقرير حديث أعدته وزارة الدفاع الأميركية يجري التحذير من التسلح المتزايد الذي تقوم به الصين. في المقابل تتصدر الولايات المتحدة قائمة الدول التي تنفق أموالا طائلة على ترسانتها العسكرية يليها روسيا. بينما تطلب الصين من الولايات المتحدة عدم التدخل في النزاع القائم مع تايوان تقوم واشنطن بمغازلة الهند أبرز منافس للصين في القارة الآسيوية وتبارك تسلحها النووي رسميا. سحب الرئيس الأميركي جورج بوش لقب الشريك الاستراتيجي من الصين رسميا ويصف ورثة ماوتسي تونغ بالمنافسين الاستراتيجيين، وقال قبل فترة قصيرة "إن علاقات الشريكين معقدة". لا تقتصر المنافسة بين الصين والولايات المتحدة على وظائف العمل ومصادر الطاقة والهيمنة على الأسواق العالمية وإنما يدور صراع مرير على الهيمنة على عالم الغد. يقف في هذا الصراع طرفان مختلفان عن بعض. الصينيون الذين لديهم ثقة عالية بأنفسهم يدفعهم الحماس بأن يظهروا للعالم أجمع قدراتهم الاقتصادية وفي الرياضة أيضا حين تستضيف بكين الألعاب الأولمبية العام ،2008 وإذا تطلب الأمر سيكشفون عن قوتهم العسكرية. على الطرف الآخر الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم اقتصاديا وعسكريا وبفارق واضح عن جميع البلدان لكنها أصبحت مرهقة تحصد نتائج مشكلاتها كل يوم. منذ سنوات تعتمد على الخارج وخصوصا الصين لتمويل عجزها الاقتصادي. لا يمكن القول إن الولايات المتحدة كسبت حرب العراق على رغم قوتها العسكرية فهذه الحرب تكلف المليارات كما كلفت الولايات المتحدة سمعتها في أنحاء العالم. مرة جديدة يقف العالم أمام نظام جديد. بدا بعد نهاية الاتحاد السوفياتي وكأن الولايات المتحدة ستصبح على المدى البعيد القوة العظمى الوحيدة في العالم. فجأة ظهرت قوة عظمى منافسة لها بوسعها توجيه ضربات للعالم الغربي مستعينة بأسلحته نفسها، باعتمادها على قوتها الاقتصادية بحيث تجعل خصومها في الغرب تحت رحمتها، من خلال إغراق الأسواق بضائع رخيصة وبما تملكه من احتياط مالي ضخم في مصرفها المركزي. نجحت الصين بأن تصبح أكبر مصنع في العالم. كل ثالث جهاز إلكتروني في العالم يحمل علامة "صنع في الصين" يرافق ذلك خفض وظائف العمل في مجالات الإلكترونيات والنسيج وصناعة الألعاب في أوروبا، فيما تزدهر فرص العمل في هذه المجالات في الشرق الأقصى. ليس هناك ما يوضح هذه المشكلة أكثر من قضية شبكة متاجر وول مارت Wall Mart التي تعتبر أكبر محلات التبضع في الولايات المتحدة. تبلغ موازنة هذه الشبكة سبعة أضعاف موازنة شركة ميكروسوفت ويعمل فيها 1,6 مليون موظف، وهكذا يزيد عدد موظفيها عن جميع العاملين في شركات فورد وجنرال موتورز وجنرال إلكتريك وآي بي إم. باختصار مفيد: إذا قررت شبكة المتاجر المذكورة تكليف الصين بأن تصبح شريكها الرئيسي الذي يزودها بالبضائع ستنشأ كارثة بالنسبة إلى الشركات الأميركية. هذا ما حصل فعلا. بينما كان مؤسس الشبكة سام والتون حتى وفاته في العام 1992 وطنيا يروج للبضائع الوطنية ويرفع شعار "العامل الأميركي أفضل من غيره" فإن ورثته يعتمدون كثيرا على شركات من الشرق الأقصى. نسبة 80 في المئة من مصدري البضائع لمتاجر Wall Mart وفي الغضون هناك خمسة آلاف فرع لشركات أميركية في الصين. انه التطور الذي تسبب في ظهور خلاف على المبادئ داخل الولايات المتحدة نتيجة هجرة وظائف العمل. في العام ،2000 تم شطب 2,7 مليون وظيفة عمل داخل الولايات المتحدة. وقال وزير التجارة في إدارة رونالد ريغان كلايد برستوفيتز: "تعتمد استراتيجية الاقتصاد الأميركي على نقل أهم الصناعات المحلية إلى الخارج". وحذر برستوفيتز من كارثة 11 سبتمبر اقتصادية وما وصفه بحلم مزعج. في الوقت الحالي يروج كتاب أعده برستوفيتز في أوساط السياسيين خصوصا ويحمل عنوان "ثلاثة بلايين رأسماليون جدد". في السبعينات حين تخلت الولايات المتحدة عن إجراءات حماية أسواقها هاجم عمال أميركيون سيارات تويوتا وتلفزيونات توشيبا اليابانية ونادوا بمقاطعتها. السيارات والتلفزيونات اليابانية لم تكن أرخص سعرا فحسب، بل كانت أفضل إنتاجا، ما أحرج الشركات الأميركية التي شعرت بتفوق الصناعة اليابانية عليها. قبل الاقتصاد الأميركي التحدي ورد لاحقا باستخدام التقنية العالية وصولا إلى الرقائق الرقمية. وحين وقعت الأزمة المالية في آسيا في العام ،1997 احتفلت وسائل الإعلام الأميركية بها. لكن هذه الفرحة كانت قصيرة، إذ حلت الصين مكان اليابان والدول الآسيوية الأخرى وهي اليوم تنافس الولايات المتحدة ليس اقتصاديا فحسب، وإنما عسكريا وسياسيا وإيديولوجيا

العدد 1084 - الأربعاء 24 أغسطس 2005م الموافق 19 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً