العدد 1084 - الأربعاء 24 أغسطس 2005م الموافق 19 رجب 1426هـ

الخطاب السياسي بين المحتوى والشعارات

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الخطاب السياسي الذي ترفعه أية حركة سياسية يحمل مضمونا يشير إلى فكرة معينة وأهداف محددة. ولذلك، فإن الحركات الناجحة هي التي تستطيع تلخيص الفكرة والأهداف في شعارات سهلة يمكن لمن يسمعها أن يستوحي ما يقف خلفها من مضمون. المشكلة تنشأ أحيانا عندما يتحول الشعار، وهو "الإطار"، إلى أمر ثابت ومقدس، وبذلك يتم تحويل الأفكار، وهي "المحتوى داخل الإطار" إلى قضية جامدة غير متأثرة بما يدور ويتغير زمانا ومكانا.

الخطاب السياسي للحركة المطلبية في البحرين طرح شعارات عدة قبل فترة الانفتاح السياسي التي دشنها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في مطلع العام ،2001 وتلك الشعارات كانت في المقدمة وذكية جدا، بحيث لخصت مضمون التحرك الساعي إلى إعادة الحياة الدستورية والبرلمانية.

قبل العام 2001 كان الشعار "بصورة عامة" يتوافق مع المضمون المطروح على الساحة وكان هناك إجماع وطني عليه دفع نحو تحريك الأجواء السياسية خطوات إلى الأمام. بعد ذلك حدثت اختلافات في الرؤى ووجهات النظر، وانطلقت المسيرة السياسية نحو اتجاهين متضاربين، اتجاه سعى إلى التعامل مع الواقع الجديد، وبالتالي فإن المحتوى والمضمون يتطلبان مراجعة. هذه المراجعة قد تؤدي إلى إعادة الحسابات في بعض المواقف وتغيير الشعارات لتتلاءم مع ما تفرضه تطورات الساحة.

اتجاه آخر رفض ذلك والتزم بالشعارات السابقة نفسها التي لخصت المطالب المطروحة قبل العام .2001 الإشكال يكمن في تناقض الواقع مع المحتوى الذي كان أنتج شعارات محددة. ولذلك، كانت النتيجة هي التشدد من الجانب المعارض ومن الجانب الرسمي، وهو ما أدى إلى تقليص المناطق المشتركة التي يمكن التحاور بشأنها.

هذه المشكلة ليست خاصة بالوضع البحريني دون غيره، فرئيس الوزراء البريطاني الحالي طوني بلير كان ورث زعامة حزب العمال الذي كان يلتزم بخطاب سياسي صارم. ذلك الخطاب السياسي كان يقف مواقف لم تعد مقبولة بالنسبة إلى التطورات الزمانية والمكانية. فحزب العمال كان يدعو إلى سيطرة القطاع العام وملكية الدولة، بينما التوجه العالمي يدعو إلى سيطرة القطاع الخاص. كما أن الحزب كان يدعو إلى التنازل عن السلاح النووي، بينما العالم يزداد تعقيدا. الحزب كانت لديه مواقف من التحالف مع الولايات المتحدة تختلف عن الوضع الحالي، كما كانت لديه أفكار عدة لم يكن بالإمكان أن تنجح في نهاية القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين.

بلير ينتمي إلى "يمين الحزب"، وكان الجناح الذي ينتمي إليه استطاع تغيير محتوى الخطاب بشأن الاقتصاد والخصخصة والسلاح النووي، ولكن بلير كان أكثر وضوحا بالنسبة إلى ضرورة تغيير بقية الشعارات والأفكار التي كان يتداولها حزب العمال، بما في ذلك طبيعة العلاقة مع أميركا. ومهما اتفقنا أو اختلفنا مع بلير، فإن الأمر الواضح الآن، أنه لولا التغييرات التي أجراها في محتويات الأطروحات، وفي الشعارات لما استطاع أن ينجح في انتخابات العام 1997 بغالبية ساحقة لم يكن يحلم بها الحزب.

لقد كان على بلير أن يوثق علاقاته مع أصحاب الأعمال الكبار ومع الصحافة التي كانت تعادي العمال، وكان عليه أن يغير الصورة التي يحملها الآخرون عن الحزب الذي تنتمي إليه أكثرية الطبقة المنتجة في بريطانيا إلى الدرجة التي جعلته يضيف في إعلاميات الحزب كلمة "الجديد"، ليصبح مسمى الحزب بصورة غير رسمية "حزب العمال الجديد".

إن المعارضة البحرينية يمكنها أن تتعلم كثيرا من تجربة طوني بلير، لأننا جميعا قد نخسر الفرص التي أتاحها المشروع الإصلاحي لجلالة الملك

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 1084 - الأربعاء 24 أغسطس 2005م الموافق 19 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً