العدد 1084 - الأربعاء 24 أغسطس 2005م الموافق 19 رجب 1426هـ

سعدي يوسف... برد الغربة وموال عراقي

قراءة كثير من قصائد مجموعة الشاعر العراقي سعدي يوسف "صلاة الوثني" كفيلة بأن تجرد القارئ ولو إلى حين من حسه النقدي أو تعطل فيه هذا الحس خلال القراءة وحتى بعدها وتتركه في بحر من الأحزان النبيلة.

في القصائد أجواء فنية مؤثرة وموحية ترسم بمشاعر الغربة والوحدة والوحشة وبرد الشمال والحنين إلى وطن بعيد يتحدث العالم عن أحزانه... لكن الجمرة كما يقول المثل الشعبي "لا تحرق الا مكانها" وما من رفقة تكسر حدة الغربة سوى سنجاب لندني متوحد.

شيب الأحزان المعتقة التي يستحضرها يوسف من زمن الأيام الآفلة بأفكارها وأحلامها وآمالها وثوراتها وثوارها وعالمها الوردي الخداع والتي يرسمها بمهارة تحز في النفس كسكين وهمي يختلط بمواويل بكائية عراقية حدودها الدموع التي قد تحدث عزاء أو تنفيسا مؤقتا على طريقة نظرية أرسطو في التطهير إذ الأسى قد يطرد الأسى ولو لفسحة قصيرة الأمد.

ويختصر يوسف غربة كثير من الحالمين والشعراء المشردين اذ يرسم التشرد بتميز ويجعلنا من خلاله نلتقي بكثير منهم.. بأحزان محمد الماغوط البيروتية وبآلام السياب يثيرها المطر على الخليج... وخصوصا بصقيع غربة الشاعر الراحل بلند الحيدري اللندنية وغيرهم.

جاءت المجموعة في 95 صفحة من القطع الوسط وبغلاف من تصميم طالب الداوود يطل منه وجه الشاعر وسط نقوش ورسوم وكتابات عراقية قديمة واشتملت على 50 قصيدة. وصدرت عن دار نينوى للدراسات والنشر في دمشق.

في القصيدة الثانية من المجموعة "أغنية الصرار" التي كتبت في لندن كسائر قصائد المجموعة باستثناء واحدة كتبت في دبلن في 2003 - 2004 حساب مر لحياة الفنان والحالم عموما وتساؤل عما كان يفعله في أيام الحصاد. يقول يوسف:

ربما ساءلت نفسي الآن عما أكتب الآن...

لماذا اكتب الآن...

وفي أي مكان أكتب الآن...

ألم يتعبك نصف القرن من ألعابك

الصخرة والنبع وهذي اللغة...

الألوان والغيم...

انك لا تبدو دؤوبا مثل نجار

ولا منتبه الملمس كالخزاف

أنت الغافل، الناحل، والتأتاء

ما شأنك والدنيا...

دع العالم يمضي مثلما علمنا العالم أن يمضي

فما لله لله، وما كان لقيصر للقيصر

في قصيدة بعنوان "السنجاب" - وتتكرر صور السنجاب في قصائده - يقول في توحد أو تماثل بينه وبين هذا الحيوان اللطيف الذي يتحرك في وحدته مسابقا المطر اللندني:

شرع السنجاب يخبئ تحت الأرض مؤونته

مقتربا من بابي

ما أجمل هذي الدنيا قبل المطر...

السنجاب يمر على السنجاب...

في قصيدة "ايها الحنين يا عدوي" يقول سعدي:

لي ثلاثون عاما معك

نلتقي مثل لصين في رحلة لم يلما بكل تفاصيلها

عربات القطار، تتناقص عبر المحطات

والضوء يشحب، لكن مقعدك الخشبي

الذي ظل يشغل كل القطارات

مازال محتفظا بكل ثوابته

يرسم سعدي يوسف في بعض القصائد عالما رماديا كئيبا... صورة قارب أعطبته الأيام فصار ثلثاه في غير عالمه الذي خلق له. انه رمز وانعكاس معبر لما أحدثه الزمن في الجسد وفي النفس. ففي قصيدة "شاطئ مهجور" يقول الشاعر:

قارب ثلثاه على اليابسة

ظل ينضح والبحر منكمش

لائذ بكثافته من حبال المطر

قارب لن يقوم ليبدأ عند السحر

رحلة الصيد.../ مثلي.

ويكاد يكون من النوافل القول انه يكون في أفضل حالاته الشعرية عندما يبتعد عن المباشرة "اليومية" وان بحجة الواقعية مثلا وان تكن بواعثها وطنية وانسانية نبيلة وننتقل معه إلى اطار آخر نقرأ فيه الغناء الحزين:

يا ليل أين الصفا...

أين انطفا المأمول...

أرض السواد انتهت للشوك والعاقول

كل الجيوش اقتضت منها وحال الحول

ياحسرتي للضمير المشترى المقتول..





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً