شد انتباهي مقال في إحدى الصحف المحلية قبل فترة وجيزة أدلى فيه أحد رجال الأعمال برأيه في كفاءة بعض كبار موظفي القطاع الحكومي في مملكة البحرين، إذ قال إنه لا يقبل أن يوظف بعضهم في أدنى المستويات الوظيفية في مؤسسته، وطبعا قد يكون هذا الموضوع مبالغا فيه، فهناك الكثير من الموظفين ذوي الكفاءة العالية ولكن في الوقت نفسه البعض من موظفي القطاع الحكومي - وأكرر هنا كلمة بعض - من الذين تنطبق عليهم عبارة الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب. هذا الموضوع قادني للتأمل في الوضع الراهن بالنسبة إلى طرق التعيين في وظائف ومناصب قيادية عالية جدا في مستويات تعنى برسم السياسات الوطنية التي تتعلق بمصير الوطن وحياة المواطن من جميع جوانبها واقصد هنا التعيينات التي تشمل الوزراء وأعضاء مجلس الشورى ورؤساء الأجهزة الحكومية الكبرى ومن هم في مستواهم.
لو نظرنا إلى عملية التعيين في مثل هذه الوظائف في بعض الدول لوجدنها أكثر مهنية وطريقة مثلى تقوم من خلالها الحكومة بتقديم مرشحيها لتلك المناصب إلى مجلس النواب أو البرلمان، إذ تقوم لجان مختصة فيه بامتحان المرشحين لمعرفة مدى كفاءتهم وما يمكنهم تقديمه إلى الوطن والمواطن، وأثناء مثول الشخص المرشح أمام المجلس المعني أو اللجنة المختصة يتم التحري والتحقق من جميع جوانب السيرة الذاتية للمرشح منذ ولادته حتى لحظة ترشيحه، ويسأل عن ما ينوي عمله عند تسلم منصبه الجديد وما هي الخطط والبرامج والتغييرات الايجابية التي يمكنه طرحها، وبعد ذلك يتم التصويت واتخاذ قرار الموافقة أو عدمها على تعيين ذلك المرشح.
فأين نحن من هذا المستوى من الفعالية في عملية التوظيف والتعيين في المناصب العليا آنفة الذكر؟
دعوني استعرض بعض التعيينات التي تمت في القطاع الحكومي، فعلى سبيل المثال تعيين جراح عظام استشاري ومن أكبر الأطباء في المملكة في منصب بمجلس الشورى ما يؤثر سلبا على مستوى تأديته لواجباته في مجال تخصصه بوزارة الصحة التي تفتقر لمن يحمل المطرقة الطبية لفحص ركبة مريض بدلا من المطرقة الخشبية ليعلن بها انتهاء الجلسة، ومثال آخر تعيين استشاري كبير في طب الأطفال في منصب سفير بوزارة الخارجية وكأن لدينا فائضا من الأطباء الاستشاريين البحرينيين في هذا المستوى. أضف إلى ذلك إن مثل هذه المناصب تتطلب مستوى من الخبرة والتحصيل العلمي في مجال العلوم السياسية والعلاقات الدولية، فالتأثير السلبي المتوقع هنا يصبح مضاعفا إذ يشمل من ناحية إبعاد المرشح عن مجال تخصصه، ومن ناحية أخرى وضعه في مجال آخر قد ينتج عنه ضعفا في الأداء وعدم التمكن من تأدية المهمات المناطة به بالفعالية المطلوبة وان أحسن الأداء إلى حد ما.
الأمثلة كثيرة ولا يسع مجال هذا المقال إلا للقليل منها ولكن لا يفوتني ان اذكر أسوأها وهي تعيين من لا يحمل تحصيلا علميا مناسبا ولا خبرة مناسبة في احدى المناصب التي تتعلق بالسياسة التشريعية التي تعنى بشئون المواطن وهمومه والسياسة العامة للوطن والمجتمع وهنا تصبح المشكلة أكبر وأعظم إذا ما قورنت بالأمثلة سالفة الذكر عن تعيين الأطباء في مناصب مختلفة عن مجالات تخصصهم، فعلى الأقل ذلك الطبيب يحمل مؤهلا أكاديميا مرموقا ويمكن القول إنه الشخص المناسب في المنصب غير المناسب ولكن بعض من عينوا ومنهم من حصلوا على تسمية الوجهاء أخيرا لا يحملون من التحصيل العلمي الجامعي شيئا يذكر وليس لديهم من الخبرة شيء في المجالات السياسية والتشريعية والإدارية وتقتصر خبرتهم على بعض الممارسات التجارية هذا إن وفقوا فيها.
نأمل ان يرتقي مستوى الإدارة والسياسة العامة في مملكتنا إلى وضع أفضل في عملية اختيار الشخص المناصب للمنصب المناسب، كي نطمئن على إيداع مصير هذا الوطن وأبنائه في أيديهم مقارنة بما يتم إيداعه في حساباتهم من رواتب.
* كاتب بحريني
العدد 1083 - الثلثاء 23 أغسطس 2005م الموافق 18 رجب 1426هـ