العدد 1083 - الثلثاء 23 أغسطس 2005م الموافق 18 رجب 1426هـ

هل يحسم الألمان الشرقيون معركة الانتخابات؟

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

لم تكن مجرد مصادفة أن يكون المستشار الاشتراكي الألماني غيرهارد شرودر في يوم واحد في ألمانيا الشرقية الجديدة مع منافسته على منصبه زعيمة الاتحاد المسيحي الديمقراطي أنجيلا ميركل التي تنحدر من الشطر الشرقي. إذ بدأت المنافسة من أجل الفوز بتأييد الناخبين في الولايات الخمس الجديدة التي تشكلت بعد إعادة توحيد البلاد في العام .1990 قبل ثلاث سنوات فاز شرودر بقلوب الألمان الشرقيين حين تدخل القدر وحلت كارثة طوفان نهر ألبه ما أسفر عن خسائر مادية كبيرة لحقت بالمدن والقرى القريبة من النهر الذي يربط ألمانيا ببولندا. وانتشرت صور المستشار وهو ينتعل الجزمة ويتجول بين المنكوبين ليطمئنهم بأن الدولة تقف إلى جانبهم. كما وأن الناخبين في الشطر الشرقي الذين اعتادوا في عهد النظام الاشتراكي السابق على تبني وجهات نظر ناقدة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، عبروا عن مساندتهم لموقف شرودر الرافض لغزو العراق وأفسدوا على رئيس حكومة بافاريا وزعيم الاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري إدموند شتويبر طموحه بأن ينهي عهد حكومة شرودر ويحصل بافاري للمرة الأولى على منصب المستشار.

يبدو أن شتويبر لم يتعاف من الهزيمة التي تعرض لها في سبتمبر / أيلول 2002 وأبرز دليل على صحة هذا الرأي تصريحاته الأخيرة التي استفز بها الألمان الشرقيين. قال شتويبر: إنه من غير الممكن أن يحسم الألمان الشرقيون الانتخابات العامة. وفي تصريح آخر اعتبر مواطني بافاريا أذكى من أقرانهم في ولايات الشطر الشرقي.

أتت تصريحات شتويبر لتزيد مشكلات شريكته ميركل التي تجنبت انتقاده علنا وسارعت إلى زيارة الشطر الشرقي لحصر الخسائر. غير أن شرودر الطامح للفوز بولاية ثالثة استغل الخطأ الفادح الذي ارتكبه شتويبر ووجه انتقادات شديدة اللهجة له وطالبه بأن يتوقف عن إهانة المواطنين في الشطر الشرقي الذين - كما أوضح المستشار - يبذلون قصارى جهدهم حتى يحسنوا أوضاعهم المعيشية.

استفزازات شتويبر كان لها أثر مباشر على عمليات استطلاع الرأي إذ يستفاد من آخر عملية أن الاتحاد المسيحي لم يعد يتقدم على جبهة الائتلاف الاشتراكي الأخضر الحاكم والحزب اليساري الجديد وأصبح كل طرف يحوز على تأييد نسبته 48 في المئة. لكن لماذا قرر شتويبر الانحراف عن السكة ويستفز الناخبين في الشطر الشرقي؟ خصوصا أنهم هم الذين يحسمون المعركة الانتخابية عادة ولا يتم حسمها في الشطر الغربي. وراء استفزازات شتويبر على ما يبدو استراتيجية ترمي أولا إلى تشجيع الناخبين في الشطر الغربي على التوجه إلى صناديق الاقتراع يوم 18 سبتمبر المقبل لانتخاب حكومة جديدة، لكن الزعيم البافاري يغامر هنا بالدعوة إلى انقسام بين الغربيين والشرقيين. وجهة نظر أخرى تقول إنه يرمي إلى حصول الاتحاد المسيحي على تأييد واسع على حساب الحزب الليبرالي الصغير الذي يتطلع للتحالف معه، والهدف من إضعاف الليبراليين رغبة شتويبر في المطالبة بمنصب نائب المستشارة ميركل ووزير الخارجية. وهذا ما يصر عليه الليبراليون حين يشيرون إلى أن حزبهم كان دائما يحصل على حقيبة الخارجية بغض النظر عن الطرف الذي تحالف معه. رأي ثالث يقول إن شتويبر استفز الألمان الشرقيين لأنه حانق عليهم بسبب التأييد الواسع الذي حظي به حتى الآن الحزب اليساري الجديد الذي يتزعمه الرئيس السابق للحزب الاشتراكي أوسكار لافونتين وزعيم حزب الاشتراكية الديمقراطية خليفة الحزب الاشتراكي في الشطر الشرقي جريجور جيزي.

قبل 15 عاما خيل للمراقبين أن قاعدة الحركة الاشتراكية في ألمانيا ستحصل على شعبية عريضة بسبب إعادة توحيد ألمانيا وخصوصا أن التوقعات كانت تشير إلى تفضيل الألمان الشرقيين انتخاب الحزب الاشتراكي. لكن حين تمت انتخابات عامة في عموم ألمانيا للمرة الأولى في مارس / آذار 1990 قدم الناخبون في الشطر الشرقي الدليل على أنهم يفكرون بمصالحهم فوق أي اعتبار آخر. على العكس من كل التوقعات حصل الاتحاد المسيحي والحزب الليبرالي على الغالبية الواضحة من قبل الألمان الشرقيين. وكان المستشار المحافظ هيلموت كول قد وعدهم خلال حملته الانتخابية بمروج خضراء وازدهار اقتصادي ومستوى معيشة مماثل لما متوافر في الشطر الغربي. بعد 15 عاما على إطلاقه هذا الوعد لم يحصل الألمان الشرقيون على مروج خضراء ولا على ازدهار اقتصادي ومازال الشطر الشرقي البيت الألماني الفقير.

أبرز ما يميز الألمان الشرقيين عن أقرانهم الغربيين سلوكهم الانتخابي الذي يصعب التكهن به حتى بعد مرور 15 عاما على الوحدة. بينما في الشطر الغربي تنتخب عائلات تقليديا حزبها المفضل فإن الشرقيين لا يميلون لطرف بصورة دائمة واحتمالات التغيير واردة على الدوام. ففي العام 1990 منح نسبة 50 في المئة من العمال أصواتهم لحزب كول وكرروا ذلك في الانتخابات التي تمت في العام 1994 أملا بأن يحقق كول وعده ولما لم يتم ذلك بحلول موعد الانتخابات العامة في سبتمبر 1998 عاقبوه بحجب الثقة عنه وأتوا بشرودر والخضر بعد 16 عاما أمضاها كول "مستشار الوحدة" في السلطة. ما ظنه البعض صحوة الطبقة العمالية في الشطر الشرقي والارتماء في حضن الحزب الاشتراكي لم يكن في محله. ففي العام 1999 حصل الاتحاد المسيحي الديمقراطي في ولاية سكسونيا التي كانت معقلا للاشتراكيين على الغالبية. لاحقا عبر الناخبون في ولايات أخرى بالشطر الشرقي عن خيبة أملهم وانتقموا من الأحزاب الديمقراطية التقليدية الكبيرة واستجابوا للشعارات الرخيصة التي روج لها الحزب القومي الألماني اليميني المتطرف "إن بي دي" الذي يرفع شعارات "ألمانيا للألمان" "أطردوا الأجانب" "وظائف العمل للألمان فقط".

قبل الانتخابات العامة العام 2002 كان الألمان الشرقيون يشعرون بخيبة أمل تجاه المستشار شرودر لأنه لم ينفذ الوعد الذي قطعه بأن يشرف شخصيا على تحقيق الازدهار الاقتصادي في مناطقهم وعاقبوه في انتخابات الولايات ومجالس البلدية لكن شرودر استعاد ثقتهم حين وقف إلى جانبهم حين وقعت كارثة الطوفان. يشير خبراء سلوك الناخبين الألمان أنه بينما يحافظ الناخبون في الشطر الغربي على تأييدهم لحزب معين، الأمر الذي مكن الاشتراكيين من السيطرة على ولاية شمال الراين وستفاليا، أكبر ولاية ألمانية، 39 عاما متواصلة، واستئثار الاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري منذ تأسيس ألمانيا الغربية العام 1949 بالسلطة في ولاية بافاريا، فإن المزاج المتقلب للألمان الشرقيين تسبب مرارا بتغيير موازين القوى في الولايات الخمس الجديدة وعلى صعيد عموم ألمانيا. إنه التقلب الذي استغلته أحزاب اليمين المتطرف وقامت من خلال سياسة الحلول السهلة لمشكلات كبيرة باجتذاب اهتمام الناخبين الناقمين الذين شعروا أنهم راحوا ضحية الوحدة الألمانية فخسروا وظيفة العمل وأصبحوا عاطلين يعيشون على مساعدة الدولة. تبين للذين انتخبوا اليمين المتطرف فداحة الخطأ الذي وقعوا فيه. على سبيل المثال فاز اتحاد الشعب الألماني العام 1998 بنسبة تقارب 13 في المئة من الأصوات بالانتخابات المحلية لولاية سكسونيا أنهالت وسرعان ما نشأت خلافات بين نواب الحزب على المال واختفى الحزب عن الساحة السياسية. في الغضون أصبح الحزب القومي الألماني الحزب الفاشي الوحيد الذي يشكل تهديدا للأحزاب الديمقراطية. من خلال ترشيح أنجيلا ميركل التي ولدت ونشأت في الشطر الشرقي حتى العام 1990 حين انضمت للاتحاد المسيحي الديمقراطي وعينها كول لاحقا وزيرة للبيئة، يرمي الاتحاد المسيحي المعارض لاجتذاب الناخبين وترغيبهم بانتخاب السيدة ميركل لتحصل أول مواطنة ألمانية شرقية على منصب المستشار. لكن كثرة الأخطاء التي يرتكبها الاتحاد المسيحي وخصوصا الشريك البافاري لا تعرقل طريق ميركل فحسب بل تزيد فرصة شرودر بالفوز بولاية ثالثة

العدد 1083 - الثلثاء 23 أغسطس 2005م الموافق 18 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً