العدد 1083 - الثلثاء 23 أغسطس 2005م الموافق 18 رجب 1426هـ

من رسل الديمقراطية إلى سراقها...

مجموعات الضغط العربية:

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

للديمقراطية مفاهيمها المعقدة، ولكل مجتمع من المجتمعات همه الديمقراطي الخاص به، قد تكون مجمل الخبرات الاجتماعية والإنسانية أنتجت لنا إطارات عامة "شاملة" تحاول سبر هذا المفهوم، إلا أن البيئة الديمقراطية، وتفاعلاتها، مازالت تحت الدراسة والتحليل والنقد، بما فيها الديمقراطيات التاريخية في الغرب، مازالت عاجزة عن إقرار ثبوتيتها، كنموذج قار ونهائي لديمقراطية إنسانية نموذجية، وهذا ما يؤكد عليه الألماني "هابرماس" من زوايا معرفية وثقافية على الأقل. هذه الثوابت الرئيسية المشار لها، تعيش أعتى صورها التاريخية في مرحلة الإصلاح السياسي العربي اليوم، حتى تلك المراهنات على النموذج "اللبناني" تلقت صفعة العودة للنزاعات اللامدنية في الواقع اللبناني، وكأن كل ما كان من إطلاقات سياسية عامة، عن أن لبنان يعيش مرحلة سياسية تتصف بالديمقراطية والمدنية، لم تكن أكثر من ترف خطاب سياسي لم يستطع تفهم "الترقيع والتلفيق السياسي اللبناني"، بما يشمل أيضا "اتفاق الطائف" من دون مكابرة. هذه الصورة، تلقي بظلالها في قراءة الإصلاح السياسي العربي، نحن نعتقد أن نماذج الإصلاحات السياسية "المتوترة" ليست سوى مسلسلات جديدة من التلفيق الإصلاحي الخائب، والدلالة المهمة على هذا التوصيف، أن جميعها، نماذج قابلة للتفكك والانهيار في مواجهة أي من اختبارات الديمقراطية الشاقة والمرهقة، خصوصا إذا ما كانت هذه الاختبارات من الوزن الثقيل الذي يمس تلك الأقانيم التاريخية الهرمة.

إشكال مجموعات الضغط "المصطنعة"...

ثمة "قوى ضبط" للديمقراطيات الحديثة في التجربة الغربية، وتتمثل هذه القوى في "مجموعات الضغط" وعلى تعدد مساحات اشتغالاتها. نعني بمجموعات الضغط، "مجموعات السلام الأخضر"، "منظمات دعم حقوق الإنسان والحريات"، و"جمعيات الشفافية"، "منظمات دعم المرأة وحقوق الطفل"، منظمات ومجموعات "حماية المستهلكين"، "الصحافة الحرة"، وغيرها الكثير. إلا أن هذه القوى الضابطة في التجارب العربية الناشئة، إما مشلولة من قبل الدول، أو عادة ما يعتلي قممها "طبقة" من السياسيين المتملقين، فتأمن الدول ضررها، وتتشوه لدى الناس صورتها السياسية، فتكون هي ذاتها "مؤسسات للدولة" من دون أن يتنبه لهذا الاشكال القائمون عليها، بل يتمادى البعض منهم ليكون صوت الأمة، والذي ارسله الله لإنقاذ حقوق الناس والدفاع عنهم! فإذا به "صوت الردع" لجميع ما دعا إليه من دعم الحريات والديمقراطية. مجموعات الضغط لا تسعى إلى السلطة، ولعل هذه الخاصية تحديدا هي ما تفرقها عن أي من التجمعات السياسية الأخرى، وهي ليست "صوتا للمعارضة"، قد تلعب دورا مشابها لدول "الصحافة"، إلا أنها تتميز بالتخصص فيما كرست نفسها له من مضامين خاصة ومحددة. لقد تمتعت مجموعات الضغط في التجارب الغربية بصدقية شعبية رائدة، وخصوصا في تحالفاتها المستترة باليسار الأوروبي، تشهد على هذه الصدقية والقوة الكثير من الحوادث السياسية في أوروبا خصوصا، ولعل الجميع يعرف ما انتجته "مظاهرات سياتل"، من إحراج كبير لقمم العالم السياسية والاقتصادية. إلا أن النموذج العربي تسوده حال من التأثير السلبي، بمعنى أن النماذج العربية من مجموعات الضغط، مازالت عاجزة عن أداء أدوراها بالشكل المطلوب إجمالا، ولنا في هذا الاشكال بعض النقاط والفروض.

أولا: إن معظم الشخصيات الفاعلة في مجموعات الضغط العربية تنقسم إلى طيفين قارين، الأول ذو تاريخ "معارضة"، وهو محكوم في تنظيره المعرفي والسياسي لمجموعات الضغط بأنها مؤسسات معارضة، والثاني هو من صناعة الحكومات العربية ذاتها، بمعنى أنها قد تنتج خطاب نقد للدولة، لكنها في نتائج خطاباتها لا تراوح الترويج للسلطة.

ثانيا: إن مفهوم "مجموعات الضغط" مازال غامضا، لدى الكثير من العاملين في هذه المؤسسات، ومازالت الدراسات السياسية العربية أقل من المأمول، هذا ما يتضح بجلاء في أدبيات دساتير التأسيس والبرامج السياسية لهذه المجموعات. إن ثقافة "حقوق الإنسان"، "دعم الحريات" و"حرية الصحافة" مازالت ثقافة غريبة على المجتمع العربي، فهو مجتمع مازال يعيش بربريته التاريخية، سواء على صعيد نظم الحكم أو المعارضة.

ثالثا: ثمة صورة لبعض مجموعات الضغط التي ترتبط بعلاقات وشراكات استراتيجية مع بعض المؤسسات الغربية، وقد تمتلك هذه المجموعات شيئا من الحرفية في العمل السياسي، إلا أنها في الغالب تصطدم بالبيئة السياسية في الدول العربية، والتي تعمد إلى كبح وتعطيل وقمع مثل هذه المجموعات.

رابعا: إن الكثير من الأزمات السياسية التي سجلت بالدول العربية، كانت تحمل مشهدا "غريبا" بعض الشيء، في الغالب تتلقى هذه المجموعات "تمويلها" من التبرعات الاجتماعية ومن الدولة، ومن تحالفاتها الاستراتيجية بمعية المراكز المماثلة في الدول الأخرى، إلا أن الأزمة السياسية المصرية مع "مركز ابن خلدون للدراسات الاجتماعية" كان سببها "التمويل الخارجي" من قبل الإدارة الأميركية، وكذلك الحال في البحرين مع "مركز البحرين لحقوق الإنسان" إذ اتهمته الحكومة بمخالفة "مهنية". هذا ما يجعل مشهد الصراع، مشهدا تأسيسيا، أو مرتبطا بماهية العمل السياسي، بمعنى أن هذه المجموعات مازالت عاجزة عن تحقيق التموضع السليم posioning في الجسم السياسي العربي، فضلا عن الفاعلية بالعمل السياسي والرقابي المباشر.

* كاتب بحريني

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1083 - الثلثاء 23 أغسطس 2005م الموافق 18 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً